أذناب ، فكسروا الباب ودخلوا المدينة. قال : فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة ، فقال القوم للقردة : ألم ننهكم.
قال : فقال عليّ : والله الذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، إنّي لأعرف أنسابها من هذه الامّة لا ينكرون ولا يغيّرون ، بل تركوا ما امروا به فتفرّقوا ، وقد قال الله : ﴿فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(١) ، فقال الله : ﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾(٢) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في هذه الآية : « كانوا ثلاثة أصناف : صنف ائتمروا وأمروا فنجوا ، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرّا (٣) ، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا » (٤) .
عن ابن عبّاس : أنّه إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : إنّ هؤلاء الذين سكتوا عن النّهي عن المنكر فهلكوا ، ونحن نرى أشياء ننكرها ثمّ نسكت ولا نقول شيئا (٥) .
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ
رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر قبائح أعمال اليهود وإنزال العذاب عليهم ، نبّه أنّ من عقوبتهم ابتلاء نسلهم بالذلّ والصّغار بقوله : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ﴾ وقضى ﴿رَبُّكَ﴾ أنّه تعالى ﴿لَيَبْعَثَنَ﴾ وليسلّطنّ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ البتّة ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ وآخر الدّهر ﴿مَنْ يَسُومُهُمْ﴾ ويعذّبهم ﴿سُوءَ الْعَذابِ﴾ وشديده من الإذلال ، والإجلاء عن الأوطان ، وضرب الجزية ، وغيرها من الشّدائد كبخت نصّر فإنّه غلب على بني إسرائيل ، وقتل مقاتليهم ، وسبى نساءهم ، وخرّب ديارهم ، وضرب عليهم الجزية ، وكالمجوس ضربوا عليهم الجزية وأخذوها منهم ، حتّى بعث الله خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله ففعل بهم ما فعل ، فلا ترفع لهم راية أبدا ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمّد ﴿لَسَرِيعُ الْعِقابِ﴾ يعجلّ في عقوبة العصاة في الدّنيا ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ﴾ لمن تاب و﴿رَحِيمٌ﴾ بمن أطاع.
﴿وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ
بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ عامّة بني إسرائيل نبّه على وجود الصّلحاء فيهم ، وأنّه يعامل مع بقيّتهم معاملة
__________________
(١) المؤمنون : ٢٣ / ٤١.
(٢) تفسير القمي ١ : ٢٤٤ ، تفسير العياشي ٢ : ١٦٦ / ١٦٣٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٧.
(٣) الذّرّ : صغار النّمل.
(٤) الكافي ٨ : ١٥٨ / ١٥١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٨.
(٥) تفسير الرازي ١٥ : ٣٩.