قيل : هذا تنزيل ؟ قال : « نعم ، هذا الحرف تنزيل ، وأما غيره فتأويل » (١) .
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ
بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا
يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ
فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا
ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٤) و (٣٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ أهل الكتاب باتّخاذهم علمائهم أربابا بالمعنى الذي ذكرنا ، ذمّ علماءهم وزهّادهم بأكل الرّشا وغيره من المال الحرام بإضلال النّاس ؛ بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ﴾ وعلماء اليهود ﴿وَالرُّهْبانِ﴾ وزهّاد النّصارى والله ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ﴾ وطريق الحرام كالرّشوة للحكم بالجور ، وتغيير الأحكام الإلهيّة ، وتحريف الكتب السماويّة ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ ويمنعون النّاس بتسويلاتهم وشبهاتهم ﴿عَنْ﴾ سلوك ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾ وقبول دين الحقّ.
ولمّا كان استمرارهم على أخذ الحرام مشعرا بغاية حرصهم على جمع الدّراهم والدّنانير ، هدّد سبحانه من له هذه الرّذيلة بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ﴾ ويدّخرون ﴿الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [ سواء أ ] كانا مسكوكين كالدّينار والدّرهم ، أو غير مسكوكين كالسّبائك ﴿وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ والوجوه الخيريّة ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ يا محمّد ﴿بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ الذي يشتاقون إليه باشتياقهم إلى سببه الذي هو جمع الدّراهم والدّنانير ﴿يَوْمَ يُحْمى﴾ ويوقد ﴿عَلَيْها﴾ نار ذات لهب وشدّة حرارة ﴿فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى﴾ وتحرق ﴿بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾
قيل : خصّ الله الكيّ بتلك المواضع ، لأنّ المقصود من الأموال حصول الفرح الذي يحصل أثره في الوجه ، والشّبع الذي ينتفخ به الجنبان ، وتحصيل ثياب فاخرة تطرح على الظّهر (٢) .
وقيل : إنّ البخيل الموسر إذا رأى الفقير قبض جبينه ، وإذا جلس بجنبه تباعد منه ، وولّاه ظهره(٣).
وقيل : لأنّ في داخل هذه الأعضاء آلات ضعيفة يعظم تألّمها إذا وصل أدنى مولم إليها (٤) .
وقيل : لأنّ ألطف أعضاء الإنسان جبينه ، ومتوسّطها في اللّطافة جنبه ، وأصلبها ظهره ، والمراد بيان إحاطة الكيّ بجميع الأعضاء (٥) .
وقيل : لأنّ كمال بدن الإنسان بالجمال والقوّة ، ومحلّ الجمال الوجه ، وأعزّ الأعضاء منه الجبهة،
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٥٨ / ٩١ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٣٨.
( ٢و٥ ) تفسير الرازي ١٦ : ٤٨.