ثمّ أنّه تعالى بعد بيان سوء عقيدتهم ، بيّن سوء أفعالهم الموجب لاستحقاقهم القتل والذلّة بقوله : ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا﴾ ويخمدوا ﴿نُورَ اللهِ﴾ ويبطلوا براهين توحيده وتنزّهه عن اتّخاذ الولد ، ويخفوا أدلّة صدق النبيّ عن عوامّهم ، ويشوّشوا شواهد صحّة شريعته بأقاويلهم الباطلة وشبهاتهم الفاسدة التي يقولونها ﴿بِأَفْواهِهِمْ﴾ مع عدم اعتقاد صحّة معانيها في قلوبهم ، كأنّهم يسعون أن يطفئوا نور الشّمس بنفخهم ﴿وَيَأْبَى اللهُ﴾ ويمتنع ﴿إِلَّا أَنْ﴾ يثبت دينه ، و﴿يُتِمَّ نُورَهُ﴾ ببلوغه الغاية في الإضاءة والإنارة ، ويحقّ الحقّ بنصرة رسوله ، وظهور معجزاته ، وإعلاه كلمته ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ ذلك فضلا عن أن لا يكرهوه.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، في هذه الآية : « يعني [ أنّهم ] أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة ، فأعمى الله قلوبهم حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوا فيه وحرّفوا منه » (١) .
وعنه عليهالسلام : « جعل [ الله ] أهل الكتاب المقيمين به ، والعالمين بظاهره وباطنه ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتي اكلها كلّ حين بإذن ربّها ، أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونه الّذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره » (٢) .
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ (٣٣)﴾
ثمّ بيّن الله إتمام نور بظهور رسوله صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ الذي جاءكم ﴿بِالْهُدى﴾ ودلائل الصّدق من القرآن العظيم ، والمعجزات الباهرة الكثيرة ﴿وَدِينِ الْحَقِ﴾ المرضيّ عند الله ، والأحكام الموافقة لصلاح العباد ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ وليغلبه بالحجّة والسّيف ﴿عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ بحيث لا يبقى على وجه الأرض غيره.
قيل : إنّ المراد ظهور الإسلام على سائر الأديان في جزيرة العرب ، أو غلبته على سائر الأديان في الجملة ، فإنّه لم يكن أهل دين إلّا وقهرهم المسلمون ؛ أمّا اليهود فقد قهرهم المسلمون حتى أخرجوهم من جزيرة العرب ، وأمّا النّصارى فقد غلبوهم على بلاد الشّام وما والاها إلى ناحية الرّوم والمغرب ، وامّا عبدة الأوثان فقد غلبوهم على كثير من بلادهم ممّا يلي التّرك والهند ، وكذلك سائر الأديان.
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٤٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٣٧.
(٢) الاحتجاج : ٢٥٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٣٧.