وليس في الآية شيء معيّن في ثبوت هذه الأولويّة ، فوجب حمله على الكلّ إلّا ما خصّه الدّليل ، وحينئذ يندرج فيه الإمامة ، ولا يجوز أن يقال أنّ أبا بكر كان من اولي الأرحام ، لما نقل أنّه صلىاللهعليهوآله أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم ، ثم بعث عليّا خلفه ، وأمر بأن يكون المبلّغ هو عليّ عليهالسلام وقال : « لا يؤدّيها إلّا رجل منّي » وذلك يدلّ على أنّ أبا بكر ما كان منه.
ثم أجاب الفخر عنه : بأنّه إن صحّت هذه الدّلالة ، كان العبّاس أولى بالإمامة ؛ لأنّه كان أقرب إلى رسول الله [ من عليّ ] . ثمّ قال : وبهذا الوجه أجاب المنصور عنه (١) .
أقول : بالوجه الذي استدلّ محمّد بن عبد الله على أنّ أبا بكر ما كان منه ، له الاستدلال على أنّ العباس ما كان منه ، وإلّا لبعث العبّاس ليكون هو المبلّغ لبراءة ، على أنّ آية ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ﴾ تثبت الإمامة للرّحم إذا كان واجدا لشرائط الإمامة من العلم والعصمة وغيرهما ، فإذا فرض أنّ عليّا عليهالسلام وأبا بكر كانا واجدين للشّرائط كان عليّ عليهالسلام أولى بالآية ، كما أنّ شرط الإرث الإسلام ، وعدم كون الوارث قاتلا ، مع أنّ الآية تنفي الإمامة عن أبي بكر وتثبته في أرحام رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فيدور أمرها بين علي عليهالسلام والعبّاس ، فإذا قارنها الإجماع على أنّ العبّاس لم يكن إماما ، دلّت الآية على إمامة عليّ عليهالسلام ، وعلى أي تقدير أبطلت الآية إمامة أبي بكر ، وتجعلها في أرحام رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإذا بطلت إمامة أبي بكر كان عليّ عليهالسلام إماما بالإجماع المركّب ، على أنّه ثبت بالنصّ والإجماع عند أصحابنا أنّ ابن العمّ الأبويني أولى في الميراث من العمّ الأبي (٢) .
الحمد لله المتعال على التّوفيق لإتمام تفسير سورة الأنفال ، نسأله أن يجعله ذخرا ليوم لا بيع فيه ولا خلال.
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٣.
(٢) يريد أن العباس أخو عبد الله ( والد رسول الله صلىاللهعليهوآله ) لأبيه فقط ، بينما أبو طالب ( والد علي عليهالسلام ) أخو عبد الله لامّه ولأبيه.