لا بمنعهم عنها كلاًّ ولا بعضاً.
ثمّ كيف يفعل عثمان ذلك ، وتوافقه الأمّة ، ويتمّ الاجتماع؟ ثمّ يكون خلافٌ في معنى الأحرف السبعة مع قيام هذا الإجماع؟ أي كيف تُجمِع الأمّة على ترك ستّة أحرف وإبقاء حرف واحد؟ ثمّ يختلف العلماء في معنى الأحرف السبعة على أربعين قولاً ، ويكادون يتّفقون ـ رغم خلافهم هذا ـ على أنّ الأحرف السبعة باقية ، مع أنّ الإجماع حجّةٌ عند المسلمين ، وبه ينجلي ظلام الشكّ عن وجه اليقين!!
ولنفرض جدلاً أنّ نزاع المسلمين في أقطار الأرض أيّام خلافة عثمان قضى عليه أن يجمع المسلمين على حرف واحد في القراءة ، فلماذا لم تسمح نفسه الكريمة بإبقاء الستّة الأحرف الباقية للتاريخ لا للقراءة؟ مع أنّ الضرورة تقدَّر بقدرها ، وهذه الستة الأحرف لم تنسخ لا تلاوةً ولا حكماً حتّى تذهب بجرّة قلم كذلك ، ثمّ يبخل عليها بالبقاء للتاريخ وحده في أعظم مرجع وأقدس كتاب ، وهو القرآن الكريم ، على حين أنّ الصحابة حفظوا للتاريخ آيات نُسخت تلاوتها ونُسخت أحكامها جميعاً ، وعلى حين أنّهم حفظوا قراءات شاذّة في القرآن ، ثمّ نُقلت إلينا وكُتب لها الخلود إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم ، بل نقلوا إلينا أحاديث منسوخة ، وتناقل العلماء أحاديث موضوعة ، ونصّوا على حكم كلِّ منها وعلى إهمال العمل بها»(١).
قال الزرقاني (ت ١٣٦٩ هـ / ١٩٤٨ م) : «بكلّ ذلك كي يمهّد للقارئ
__________________
(١) مناهل العرفان ١/١١٨ـ ١٢٥ ، وانظر كلام السيوطي في الاتقان ١/١٣٠ (تنبيه) آخر مبحث اختلاف الأقوال في نزول القرآن على سبعة أحرف.