وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان اهتمامهم بالطّاعة ، وصفهم بالمسارعة إلى التّوبة عند الزّلّة والتّقصير في الطاعة ، بقوله : ﴿وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا﴾ وارتكبوا فعلة ﴿فاحِشَةً﴾ ومعصية شديدة القباحة ، كالزّنا ، وقتل النّفس ﴿أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ بارتكاب الصّغائر من الذّنوب ، كالنّظر إلى الأجنبية وأمثاله ، أو بالتّقصير في الطّاعة.
وقيل : إنّ المراد بالفاحشة : الظّلم على الغير (١) ؛ كالغيبة والبهتان ، ومن الظّلم على النّفس : الذّنوب التي لا تضرّ بالغير ، كشرب الخمر وأضرابه.
﴿ذَكَرُوا اللهَ﴾ والتفتوا إلى عظمته وعظيم حقّه الموجبين للحياء منه ، أو إلى وعيده وسخطه المورثين للخشية.
وقيل : إنّ المراد : ذكر الله بالثّناء والتّعظيم ، فإنّ من موجبات كمال الدّعاء وقربه إلى الإجابة ، الثّناء على الله قبله.
﴿فَاسْتَغْفَرُوا﴾ وطلبوا السّتر ﴿لِذُنُوبِهِمْ﴾ بلا تأخير وتسويف ، وتابوا توبة خالصة ، ناشئة عن حقيقة النّدم الملازم للعزم على التّرك في المستقبل.
ثمّ حثّ سبحانه على الاستغفار والإنابة إليه بقوله : ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ﴾ ويتجاوز عنها ﴿إِلَّا اللهُ﴾ فإنّه يستحيل غفرانها من غيره ، فلا مفزع للمذنبين إلّا فضله وكرمه. وفيه بشارة لهم بوصف ذاته بسعة الرّحمة ، وقبول التّوبة ، وقرب المغفرة.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّ هذه الآية نزلت في رجلين أنصاري وثقفي ، والرّسول صلىاللهعليهوآله [ كان قد ] آخى بينهما ، وكانا لا يفترقان في أحوالهما ، فخرج الثّقفي مع الرّسول صلىاللهعليهوآله بالقرعة في السّفر ، وخلّف الأنصاري على أهله ليتعاهدهم ، فكان يفعل ذلك ، ثمّ قام إلى امرأته ليقبّلها ، فوضعت كفّها على وجهها فندم الرّجل ، فلمّا وافى الثّقفي مع الرّسول صلىاللهعليهوآله لم ير الأنصاري ، وكان قد هام في الجبال للتّوبة ، فلمّا عرف الرّسول صلىاللهعليهوآله سكت حتّى نزلت (٢) .
وقيل : إنّ نبهان (٣) التّمار أتته امرأة حسناء تطلب منه تمرا ، فقال لها : هذا التّمر ليس بجيّد ، وفي البيت تمر أجود منه ، فذهب بها إلى بيته فضمّها إلى نفسه وقبّلها ، فقالت له : اتّق الله ، فتركها وندم على ذلك. وأتى [ الرسول ] صلىاللهعليهوآله وذكر له ذلك ، فنزلت (٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٨٦.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ٩.
(٣) في النسخة : تيهان ، راجع : اسد الغابة ٥ : ١٣.
(٤) تفسير أبي السعود ٢ : ٨٦.