أيام من ذي الحجّة لهذا السبب (١) ، وهذه حكمة زيادة العشر على الثلاثين.
وقيل : إنّ الله أمره أن يصوم ثلاثين يوما ، وأن يعمل فيها ما يقرّبه إلى الله ، ثمّ انزلت التوراة [عليه] في العشر البواقي ، وكلّمه فيه أيضا. وهذه حكمة تعبير الأربعين بثلاثين وعشر (٢) .
﴿وَقالَ مُوسى﴾ حين ذهابه إلى ميقات ربّه ﴿لِأَخِيهِ هارُونَ﴾ الذي كان شريكا له في النّبوّة وتابعا له : ﴿اخْلُفْنِي﴾ وقم مقامي ﴿فِي قَوْمِي﴾ بني إسرائيل ، وسر فيهم بسيرتي. ثمّ أكّد وصيّته بهم بقوله : ﴿وَأَصْلِحْ﴾ جميع ما يجب أن يصلح من امورهم وامور دينهم ﴿وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ولا تسلك طريقتهم في الإفساد ، ولا تساعدهم ولا تجبهم إليه.
﴿وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا﴾ وحضر في الوقت الذي وقّتناه لحضوره ، أو إلى المكان الذي واعدناه فيه ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ مشافهة بلا واسطة ملك ﴿قالَ﴾ بعد استماع كلامه : ﴿رَبِّ أَرِنِي﴾ نفسك ومكّنني من رؤيتك ﴿أَنْظُرْ﴾ بعين رأسي ﴿إِلَيْكَ﴾ .
عن أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث : « وسأل موسى ، وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ فكانت مسألته تلك أمرا عظيما ، وسأل أمرا جسيما فعوقب » (٣) .
﴿قالَ﴾ الله تعالى : ﴿لَنْ تَرانِي﴾ أبدا ، لا في الدّنيا ولا في الآخرة ﴿وَلكِنِ﴾ إن أردت أن تراني في الدّنيا ﴿انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ الذي أنت عليه - قيل : هو أعظم جبل بمدين ، يقال له زبير (٤) - وأنا أتجلّى بجلوة من جلواتي ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ﴾ الجبل وثبت ﴿مَكانَهُ﴾ ولم يتفتّت بذلك التّجلّي ﴿فَسَوْفَ تَرانِي﴾ .
قيل : لمّا سمعت الجبال ذلك تعاظمت رجاء أن يتجلّى لها ، وجعل طور أو زبير يتواضع ، فلمّا رأى الله تواضعه رفعه من بينها وخصّه بالتّجلّي (٥) .
عن ابن عبّاس قال : لمّا قال موسى عليهالسلام : ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ كشف الحجاب ، وأبرز له الجبل وقال : انظر ، فنظر فإذا أمامه مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرون [ ألف ] نبيّ ، محرمين ملبّين ، كلّهم يقولون : أرني أرني (٦) .
﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ قيل : كشف نوره من حجبه قدر ما بين الخنصر والإبهام (٧) ، وظهرت له
__________________
(١ و٢) . تفسير الرازي ١٤ : ٢٢٦.
(٣) التوحيد : ٢٦٢ / ٥ ، وفيه : فعوتب بدل : فعوقب ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣٤.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٢٣٣.
(٥) تفسير روح البيان ٣ : ٢٣٤.
(٦) تفسير روح البيان ٣ : ٢٣١.
(٧) تفسير روح البيان ٣ : ٢٣٤.