وكمال صلاح الموجودات - دلالة واضحة على كمال قدرته وحكمته.
ثم قرر ذلك بقوله : ﴿وَالشَّمْسَ﴾ التي هي سلطان الكواكب ﴿وَالْقَمَرَ﴾ الذي هو نائبها ﴿وَالنُّجُومَ﴾ التي هي خدمها ، خلقهن حال كونهن ﴿مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ﴾ مقهورات تحت إرادته.
ثم لما كان ما سوى الله إما جسماني له مائدة ومدة وحجم ومقدار ؛ ويسمى بعالم الخلق ، وإما روحاني لا مائدة له ولا مدة له ولا حجم ؛ ويسمى بعالم الأمر ، بالغ سبحانه في تعريف ذاته المقدسة بالوحدانية ، وكمال القدرة والتدبير والسلطنة فيهما بقوله : ﴿أَلا لَهُ﴾ تعالى خاصة ﴿الْخَلْقُ﴾ وعالم الجسمانيات ﴿وَالْأَمْرُ﴾ وعالم الروحانيات ، إيجادا أو إعداما ، وتصرفا وتدبيرا ، لا مالك شيء منهما غيره ﴿تَبارَكَ﴾ وتعالى بالوحدانية في الالوهية والقدرة ، وتعظم بالفردانية في السلطنة والربوبية ﴿اللهُ﴾ الذي هو ﴿رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ وخالقها ومدبرها.
ففيه رد على الذين اتخذوا من دون الله أربابا ، ودعوتهم إلى القول بتوحيده في الربوبية لجميع الكائنات ، وتنظيم عالم الوجود ، كالملك المتمكن في مملائكته بتدبيره.
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)﴾
ثم لما بين الله سبحانه أن تدبير العالم بيده وجميع الخيرات نازل منه ، أمر الناس بسؤاله ورفع حوائجهم إليه ، وقطع طمعهم عن غيره بقوله : ﴿ادْعُوا﴾ وسئلوا ﴿رَبَّكُمْ﴾ اللطيف بكم ، السميع لدعائكم ، القادر على إجابتكم جميع حوائكم الدنيوية والآخروية ، وليكن دعاؤكم له ﴿تَضَرُّعاً﴾ وخضوعا وتذللا ﴿وَخُفْيَةً﴾ وسرا بحيث بلا يسمعه غيركم ، فإنه أقرب إلى الخلوص والاستجابة ، ولا تعتدوا في دعائكم ، ولا تجاوزوا فيه عن حد ما امرتم ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ولا يرضى عن المتجاوزين عن الحد ؛ بالاقتراح عليه ، وطلب ما لا ينبغي طلبه.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وحسب المرأ أن يقول : اللهم إني أسئلك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل » (١) .
في استحباب الاخفات في الدعاء
وعنه صلىاللهعليهوآله ، أنه كان في غزاة ، فأشرف على واد ، فجعل الناس يهللون ويكبرون ، ويرفعون أصواتهم ، فقال : « يا أيها الناس ، أربعوا (٢) على أنفسكم ، أما إنكم لا تدعون أصما (٣) ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا إنه معكم » (٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٣ : ٢٣٣.
(٢) اربعوا : تريثوا وانتظروا.
(٣) كذا ، وفي المجمع : الأصم ، وفي الصافي : أصم.
(٤) مجمع البيان ٤ : ٦٦٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠٦.