ثمّ قيل : كان من بدع المشركين أنّهم لا يأكلون في أيّام الحجّ إلّا قوتا ، ويعظّمون بذلك حجّهم ، فهم المسلّمون به ، فنزلت (١)﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ ممّا تشتهون من الطّعام والشّراب ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ بالإفراط في الأكل والشّرب ، وإتلاف نعم الله ، وبالتّعدّي إلى الحرام وتحريم الحلال ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ لإسرافهم ، ولا ينظر إليهم نظر الرّحمة.
نقل أنّه كان لهارون الرّشيد طبيب نصراني ، فقال لعلي بن حسين بن واقد : ليس في كتابكم شيء من علم الطبّ ؟ فقال له : إنّ الله جمع الطبّ كلّه في نصف آية في كتابنا ، قال : ما هي ؟ قال : قوله تعالى : ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا﴾ فقال النّصراني : وهل يؤثر عن رسولكم شيء من الطبّ ؟ قال : نعم ، جمع رسولنا صلىاللهعليهوآله الطبّ في ألفاظ يسيرة ، قال : ما هي ؟ قال : قوله : « المعدة بيت الدّاء ، والحمية رأس كلّ دواء ، وعوّدوا كلّ جسم ما اعتاده » ، فقال النّصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس شيئا(٢).
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأك خصلتان : السّرف والمخيلة (٣) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « من سأل النّاس وعنده ما يقوته يوما فهو من المسرفين » (٤) .
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (٣٢)﴾
ثمّ لمّا طاف المسلمون كساة (٥) ، وأكلوا اللّحم والدّسم في أيّام الحجّ ، عيّرهم المشركون لأنّهم كانوا يطوفون عراة ، ولا يأكلون اللّحم والدّسم حال الإحرام ، فأمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن يردّهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد لهم : ﴿مَنْ﴾ الذي ﴿حَرَّمَ﴾ على النّاس ﴿زِينَةَ اللهِ﴾ من الألبسة الفاخرة ﴿الَّتِي أَخْرَجَ﴾ بقدرته ولطفه ﴿لِعِبادِهِ﴾ من الأرض والحيوانات والمعادن ؛ كالقطن والكتّان والحرير والصّوف والوبر والدّروع وغيرها ﴿وَالطَّيِّباتِ﴾ والمستلذّات ﴿مِنَ الرِّزْقِ﴾ كاللّحوم والدّسوم والألبان وغيرها.
عن الصادق عليهالسلام : « بعث أمير المؤمنين عليهالسلام عبد الله بن عبّاس إلى ابن الكوّاء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلّة ، فلمّا نظروا إليه قالوا : يا ابن عبّاس ، أنت خيرنا في أنفسنا ، وأنت تلبس هذا اللّباس ! قال : هذا أوّل ما اخاصمكم فيه ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ١٥٤.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ١٥٥ ، وفيه : لجالينوس طبا.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ١٥٥.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ١٤٣ / ١٥٧٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٩٠.
(٥) في النسخة : كاسيا.