وعنه صلىاللهعليهوآله قال : « يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ، ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلا ، كلّ سجلّ منها مدّ البصر ، فيها خطاياه وذنوبه ، فتوضع في كفّة الميزان ، ثمّ يخرج له قرطاس كالأنملة فيه شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، يوضع في الاخرى فترجّح » (١) .
وقيل : إنّ الموزون بالميزان الحسيّ هو أعمال الجوارح دون الأعمال القلبيّة ؛ كالعقائد والنيّات وغيرهما ، فإنّه يقام لها الميزان المعنوي وهو العدل ، فالحسّي للحسّي ، والمعنوي للمعنوي.
وقيل : يوزن نفس المؤمن والكافر (٢) ، فيظهر بالميزان عظم قدر الأول وذلّ الثّاني ومهانته.
روي أنّه يؤتى يوم القيامة بالرّجل العظيم الطّويل الأكول الشّروب فيوزن ، فلا يزن جناح بعوضة(٣) .
وقيل : إنّ الوزن لأهل الحقّ والصّدق وأصحاب البرّ ، دون الكفّار وأهل الباطل ؛ لأنّه لا وزن للباطل وأهله.
عن السجّاد عليهالسلام - في حديث - : « اعلموا عباد الله أنّ أهل الشّرك لا ينصب لهم الموازين ، ولا ينشر لهم الدّواوين ، وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمرا ، وإنّما نصب الموازين ونشر الدّواوين لأهل الإسلام ، فاتّقوا الله عباد الله » (٤) .
أقول : يدلّ عليه قوله تعالى : ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً﴾(٥) ، ويمكن حمل الآية والرّواية على أنّه لا ينصب لهم الميزان لتعيين وزن حسناتهم ومقدار ثوابها بالنّسبة إلى سيّئاتهم ، لحبط حسناتهم. وأمّا تعيين مقدار عظمة سيّئاتهم في أنظار النّاس فيحتاج إلى نصب الميزان.
وقيل : إنّ وزن الأعمال يكون بعد الحساب ؛ لأنّ المحاسبة لتقرير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ؛ ليكون الجزاء بحسبها ، فينبغي أن يكون بعدها.
وعلى أيّ تقدير ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ﴾ ورجحت ﴿مَوازِينُهُ﴾ بسبب كثرة الحسنات ، أو عظم قدرها ﴿فَأُولئِكَ﴾ المؤمنون المحسنون ﴿هُمُ﴾ بالخصوص ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ والنّاجون في الآخرة ، الفائزون بالجنّة والنّعم الدّائمة والكرامة الأبديّة.
روي أنّ داود عليهالسلام سأل ربّه أن يريه الميزان الذي ينصب يوم القيامة ، فرأى كل كفّة ملء ما بين المشرق والمغرب فغشي عليه ، فلمّا أفاق قال : إلهي من يقدر أن يملأ كفّته بالحسنات ؟ فقال الله
__________________
(١) تفسير الرازي ١٤ : ٢٥.
(٢) بحار الأنوار ٧١ : ٢٢٦.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ١٣٧.
(٤) الكافي ٨ : ٧٥ / ٢٩.
(٥) الكهف : ١٨ / ١٠٥.