﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ في المكيلات ﴿وَالْمِيزانَ﴾ في الموزونات ، وأكملوا الحقّ فيهما ، حال كونكم متلبّسين ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل والتسوية ، لا ينقص من عليه الحقّ منه شيئا ، ولا يطلب من له الحقّ زيادة عليه شيئا ، وإن كان اتّباع العدل عسرا ، فنحن ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا﴾ بعدل يكون ﴿وُسْعَها﴾ وميسورها ، وأمّا معسورها فمعفوّ عنه لا تؤاخذ به.
﴿وَإِذا قُلْتُمْ﴾ قولا في حكومة أو شهادة أو نحوهما ﴿فَاعْدِلُوا﴾ فيه ولا تجوروا ولا تجاوزوا عن الحقّ ﴿وَلَوْ كانَ﴾ المقول له أو عليه ﴿ذا قُرْبى﴾ منكم وصاحب رحم ﴿وَبِعَهْدِ اللهِ﴾ من نذوركم وأيمانكم ، وما أمركم به من ملازمة العدل والعمل بأحكامه ﴿أَوْفُوا﴾ واعملوا على نحو الكمال ، ﴿ذلِكُمْ﴾ الذي فصّل لكم من الأحكام ممّا ﴿وَصَّاكُمْ﴾ الله ﴿بِهِ﴾ وأمركم بحفظه ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ما فيه من الحسن والصّلاح ، وتعملون به.
قيل : إن النّكتة في ختم الآية الاولى بقوله : ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ كون التّكاليف الخمسة التي فيها امورا ظاهرة يكفي في العمل بها التّعقّل والفهم ، وفي ختم هذه الآية بقوله : ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ كون التّكاليف الأربعة التي فيها امورا غامضة محتاجة إلى الاجتهاد والفكر حتّى يقف المكلّف على موضع الاعتدال (١) .
﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)﴾
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : هذه الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتب ، من عمل بهنّ دخل الجنّة ، ومن تركهنّ دخل النّار (٢) .
﴿وَ﴾ اعلموا ﴿أَنَّ هذا﴾ الذي ذكرت في السّورة المباركة من التّوحيد والمعاد وأحكام الدّين ﴿صِراطِي﴾ ومسلكي وشرعي المؤدّي إلى كلّ خير ، أو إلى جنّتي ورضواني ، حال كونه ﴿مُسْتَقِيماً﴾ مستويا لا عوج فيه ، إذن ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾ أيّها النّاس ، ولا تعدلوا عنه إلى غيره ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ المتفرّقة والمذاهب المختلفة كاليهودية والنّصرانيّة وغيرهما من الملل ﴿فَتَفَرَّقَ﴾ وتباعد ﴿بِكُمْ﴾ أو أمالكم (٣)﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾ الحقّ ودينه المرضيّ ﴿ذلِكُمْ﴾ الاتّباع ممّا ﴿وَصَّاكُمْ﴾ الله وأمركم ﴿بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الضّلالات.
__________________
(١) تفسير الرازي ١٣ : ٢٣٦.
(٢) تفسير الرازي ١٤ : ٣.
(٣) كذا ، والظاهر : تتباعد بكم أو تميلكم ...