المؤمنون مثل المشركين ، ومن كان ميتا (١)﴿فَأَحْيَيْناهُ﴾ بنفخ الرّوح فيه ، وأعطيناه القوى المتحرّكة والمدركة ﴿وَجَعَلْنا لَهُ﴾ مع ذلك من الخارج ﴿نُوراً﴾ عظيما ﴿يَمْشِي بِهِ﴾ ويسير بسببه ﴿فِي النَّاسِ﴾ آمنا محمودا ، يمكن أن يكون ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ﴾ وصفته العجيبة أنّه ثابت أو مستقرّ ﴿فِي الظُّلُماتِ﴾ العديدة ، و﴿لَيْسَ بِخارِجٍ﴾ وناج ﴿مِنْها﴾ في وقت من الأوقات وحال من الأحوال ، حاشاه من أن يكون مثله ﴿كَذلِكَ﴾ الزّين الذي يكون للإيمان في قلوبكم من جانب الله ﴿زُيِّنَ﴾ وحسّن من قبل الشّيطان وبتسويلاته ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ خصوصا المشركين منهم ﴿ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي.
فقوله : ﴿أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً﴾ تمثيل لمن هداه الله وأنقذه من الضّلالة ، وجعل له نور الحجج والآيات يتأمّل بها في الأشياء ، فيميّز بين الحقّ والباطل وأهلهما ، وقوله : ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ﴾ تمثيل لمن بقي في الضّلالة لا يفارقها.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : نزلت في حمزة وأبي جهل ، قال : إنّ أبا جهل رمى النبيّ صلىاللهعليهوآله بفرث ، فاخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من الصّيد وبيده قوس ، وكان يومئذ لم يؤمن [ بعد ] ، فلقي أبا جهل ، فضرب رأسه بالقوس ، فقال أبو جهل : أما ترى ما جاء به ! سفّه عقولنا وسبّ آلهتنا. فقال حمزة : وأنتم أسفه النّاس ، تعبدون الحجارة من دون الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله. فنزلت الآية (٢) .
وقال مقاتل : نزلت في النبيّ صلىاللهعليهوآله وأبي جهل ، وذلك أنّه قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشّرف حتّى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبيّ يوحى إليه ، والله لا نؤمن به إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه (٣) .
وعن عكرمة : أنّها نزلت في عمّار وأبي جهل (٤) ، ورواه في ( المجمع ) عن الباقر عليهالسلام (٥) .
وفي ( الكافي ) : عنه عليهالسلام : ﴿مَيْتاً﴾ لا يعرف شيئا ، و﴿نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ إماما يؤتمّ به ، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ﴾ الذي لا يعرف الإمام » (٦) .
وعنه عليهالسلام : « الميت الذي لا يعرف هذا الشأن ، يعني هذا الأمر ، ﴿وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً﴾ إماما يأتمّ به ، يعني عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ﴾ قال بيده [ هكذا ] : هذا الخلق الذين لا يعرفون شيئا » (٧) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٩٦.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٩٦.
(٣ و٤) . تفسير الرازي ١٣ : ١٧٣.
(٥) مجمع البيان ٤ : ٥٥٥ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٤.
(٦) الكافي ١ : ١٤٢ / ١٣ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٣.
(٧) تفسير العياشي ٢ : ١١٧ / ١٤٨٥ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٣.