المختلفة لها ، والله ﴿لَآياتٍ﴾ عظيمة ، ودلالات واضحة على وجود الصّانع القادر الحكيم ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بالله وبوحدانيّته ، أو للّذين يطلبون الإيمان بالله ، فإنّهم المنتفعون بالاعتبار والاستدلال بها.
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ
وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ
لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠٠) و (١٠١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إبطال مذهب عبدة الأصنام من المشركين بالبراهين المتقنة ، وبّخ عبدة الملائكة منهم بقوله : ﴿وَجَعَلُوا﴾ في اعتقادهم ﴿لِلَّهِ﴾ الواحد القادر الحكيم بعد وضوح وحدانيّته ﴿شُرَكاءَ﴾ وأندادا ، أعني بهم ﴿الْجِنَ﴾ وإنّما سمّى الملائكة بالجنّ ؛ لسترهم عن الأنظار ، وتحقيرهم [ بالنسبة إلى مقام الالوهية ](١) ، ﴿وَ﴾ الحال أنّه تعالى ﴿خَلَقَهُمْ﴾ بقدرته الكاملة ، ولا يكون المخلوق شريكا لخالقه.
وقيل : إنّ المراد بالجنّ الشّياطين الّذين دعوهم إلى عبادة الأصنام (٢) .
وقيل : إنّ المراد أهرمن (٣) وجنده من الأبالسة (٤) .
عن ابن عبّاس رحمهالله : نزلت الآية في الزّنادقة الذين قالوا : إنّ الله وإبليس أخوان ؛ فالله خالق النّاس والدواب الأنعام والخيرات ، وإبليس خالق السّباع والحيّات والعقارب والشّرور (٥) .
ثمّ وبّخ سبحانه المشركين القائلين بأنّ له الولد بقوله : ﴿وَخَرَقُوا﴾ واختلقوا ﴿لَهُ﴾ بهوى أنفسهم ﴿بَنِينَ﴾ كاليهود القائلين بأنّ عزير ابن الله ، والنّصارى القائلين بأنّ المسيح ابن الله ﴿وَبَناتٍ﴾ كمشركي العرب القائلين بأنّ الملائكة بنات الله ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ لهم بعظمة الله وشناعة هذا الزّعم لوضوح امتناع الولادة من واجب الوجود.
ثمّ نزّه ذاته المقدّسة عن كلّ ما لا يليق به من الشّريك والولد وغيرهما بقوله : ﴿سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ربّهم وينسبون إليه من الندّ والولد وسائر النّقائص.
ثمّ شرع سبحانه في إقامة البراهين على بطلان القول باتّخاذه الولد بقوله : ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وموجدهما بلا سبق مثال واستعانة بشيء هو الله ، فإذا كان كذلك فهو غنيّ عن الولد.
ثمّ من البديهيّات أنّ الولادة لا يمكن بدون الزّوجة والصّاحبة ، فإذن ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ وكيف
__________________
(١) الزيادة من تفسير أبي السعود ٣ : ١٦٧.
(٢) تفسير الرازي ١٣ : ١١٥.
(٣) وهو إله الشرّ عند المجوس.
(٤) تفسير الرازي ١٣ : ١١٣.
(٥) تفسير الرازي ١٣ : ١١٣.