أقول : أظنّ أن ذكر الآية سهو من الرّاوي ، فإنّ المناسب قوله : ﴿تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾(١) .
﴿تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ
اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠)﴾
ثمّ لمّا وصف الله تعالى أسلافهم بفساد العقائد والأعمال ، ذمّ الحاضرين منهم بموالاة الكفّار بقوله: ﴿تَرى﴾ يا محمّد ﴿كَثِيراً مِنْهُمْ﴾ وهم كعب بن اشرف وأصحابه ، على ما قيل (٢) . ﴿يَتَوَلَّوْنَ﴾ ويتصادقون [ مع ]﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالإشراك بالله ، والله ﴿لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ وهيّأوا لسفر آخرتهم من الزّاد وهو ﴿أَنْ سَخِطَ اللهُ﴾ وغضب ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بتولّيهم الكفّار ، وبغضهم الرّسول والمؤمنين ﴿وَفِي الْعَذابِ﴾ بالنّار ﴿هُمْ﴾ في الآخرة ﴿خالِدُونَ﴾ مقيمون أبدا.
﴿وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً
مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّهم ليسوا على دين موسى عليهالسلام أيضا بقوله : ﴿وَلَوْ كانُوا﴾ هؤلاء اليهود الّذين يتولّون المشركين ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ عن صميم القلب ﴿بِاللهِ وَالنَّبِيِ﴾ الذي يدّعون أنّهم على دينه ، ويعترفون بنبوّته ، وهو موسى عليهالسلام ﴿وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ من التّوراة ، ما تصادقوا [ مع ] المشركين ، و﴿مَا اتَّخَذُوهُمْ﴾ لأنفسهم ﴿أَوْلِياءَ﴾ وأحبّاء ؛ لأنّ حرمة مولاة المشركين متأكّدة في التّوراة وفي شرع موسى عليهالسلام ﴿وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ﴾ خارجون عن دين موسى وحكم التّوراة ، وإنّما غرضهم من إظهار التديّن بأحكام التّوراة ودين موسى عليهالسلام حفظ الجاه والرئاسة ، كذا قيل (٣) .
وقيل : إنّ المراد أنّ المشركين لو كانوا مؤمنين بالله وبمحمّد وكتابه ما اتّخذهم هؤالاء اليهود أولياء (٤) . وذلك بعيد في الغاية.
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ
وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)﴾
__________________
(١) المائدة : ٥ / ٨٠.
(٢) تفسير الرازي ١٢ : ٦٥.
(٣ و٤) . تفسير الرازي ١٢ : ٦٥.