يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)﴾
ثمّ لمّا وصف الله سبحانه المقتصدين منهم بالقلّة ، والجاحدين المتمرّنين منهم على الكفر والعناد بالكثرة ، حثّ الرّسول صلىاللهعليهوآله بالتّبليغ وعدم المبالاة بكثرة الأعداء الجاحدين ، مع وعده بالعصمة من شرّ الأعداء بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ﴾ إلى النّاس ﴿ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ في عليّ ، على ما تضافر عنهم عليهمالسلام وقالوا : « كذا نزلت » (١) .
ثمّ هدّد نبيّه صلىاللهعليهوآله على ترك التّبليغ إعذارا له وإظهارا للاهتمام بالأمر بقوله : ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ﴾ ما أمرتك من تبليغ هذا الذي أنزل في عليّ صلىاللهعليهوآله وكتمته ﴿فَما بَلَّغْتَ﴾ من قبل الله إلى النّاس ﴿رِسالَتَهُ﴾ وما امرت من أوّل بعثتك بتبليغه ؛ لعدم ترتّب الفائدة على سائر الأحكام التي بلّغتها بدون تبليغ هذا الأمر ، فتكون بترك تبليغ ولاية عليهالسلام عليّ بمنزلة تارك التّبليغ رأسا ، ويكون عقابك عقابه ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ﴾ ويحفظك ﴿مِنْ﴾ شرّ ﴿النَّاسِ﴾ وضرّهم ، فلا تخف منهم ولا تبال بهم.
ثمّ أكّد سبحانه وعده بعصمته وحفظه بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي﴾ إلى نيل المقاصد ﴿الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾ ولا يمكّنهم من إنفاذ مرامهم.
قيل : بنزولها في قضيّة الرّجم والقصاص (٢) . وقيل : في قضيّة أخذ الأعرابي سيف النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وإرادته قتله فسقط من يده (٣) . وقيل : في أمر زيد وزينب بنت جحش (٤) . وقيل : في حقوق المسلمين (٥) . وقيل : في استهزاء اليهود وسكوت النبيّ صلىاللهعليهوآله عنهم (٦) . وقيل : في سكوت النبيّ عن تعييب الأصنام (٧) . وقيل : في تبليغ حكم الجهاد (٨) . وقيل : لرفع مهابة قريش وأهل الكتاب من قلب النبيّ صلىاللهعليهوآله حين عابهم (٩) .
أقول : لا شبهة في نزولها في حجّة الوداع ، فتلك الوجوه التي ذكرها مفسّرو العامّة غير مناسبة لنزولها في الوقت المذكور.
ثمّ أنّ الفخر الرازي بعد نقل الوجوه المذكورة عن العامّة في تفسيره قال : العاشر - أي من الوجوه - : أنّها نزلت في فضل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عبّاس ، والبرّاء بن عازب ، ومحمّد بن علي (١٠) .
أقول : قال آية الله العلّامة الحلّي في ( نهج الحقّ ) بعد ذكر الآية الشّريفة : نقل الجمهور أنّها نزلت في فضل عليّ عليهالسلام يوم غدير خمّ ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد عليّ عليهالسلام وقال : « أيّها النّاس ، أ لست أولى
__________________
(١) تفسير الصافي ٢ : ٥١.
(٢) تفسير الرازي ١٢ : ٤٩.
( ٣ و٤ و٥ ) . تفسير الرازي ١٢ : ٤٩.