من بني إسرائيل وغيرهم ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ﴾ أيضا كانوا يحكمون به ، وكان اهتمامهم ببعث النّاس إلى العمل بها ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ﴾ وبسبب كونهم موكّلين على وقايته من التّحريف والتّغيير والضّياع والإهمال ، حسب ما وصّاهم الله به ﴿وَكانُوا﴾ جميعا لشدّة اهتمامهم بحفظه كلّ زمان ﴿عَلَيْهِ شُهَداءَ﴾ بين النّاس يشهدون بصدقه ونزوله من الله. أو المراد : أنّهم عليه رقباء يراقبون على أن لا يغيّر ولا يضيّع.
عن الصادق عليهالسلام : « الربّانيّون : هم الأئمّة دون الأنبياء الّذين يربّون النّاس بعلمهم ، والأحبار : هم العلماء الربّانيّون - قال : - ثمّ أخبر عنهم فقال : ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ﴾ ولم يقل : بما حملوا منه » (١) .
وعن الباقر عليهالسلام ، في هذه الآية : « فينا نزلت » (٢) .
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان قيام النّبيّين والربّانيّين والأحبار بحفظ التّوراة والاهتمام بإمضاء أحكامها من غير مبالاة ، خاطب اليهود الّذين كانوا في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله وحرّضهم وحرّض رؤساءهم وأحبارهم بالاقتداء بمن قبلهم من الأنبياء ، واتّباعهم في عدم المبالاة من أحد في حفظ التّوراة وإمضاء أحكامها ؛ بقوله : ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ﴾ [ سواء أ ] كانوا ملوكا أو غير ملوك ، على أنفسكم وأعراضكم وأموالكم ، في أن تحكموا بحكم التّوراة في الرّجم والقتل وغيرهما ، وإيّاكم أن تحرّفوا كتاب الله بإسقاط الحدّ الواجب والتّساوي في الدية والقصاص ﴿وَاخْشَوْنِ﴾ وخافوا من عقابي على تغيير كتابي والحكم بغير الحقّ.
ثمّ بعد الرّدع عن داعي الرّهبة الذي هو أقوى الدّواعي ، ردع عن داعي الرّغبة بقوله : ﴿وَلا تَشْتَرُوا﴾ ولا تستبدلوا ﴿بِآياتِي﴾ وأحكام كتابي ﴿ثَمَناً﴾ وعوضا ﴿قَلِيلاً﴾ من الرّشوة والجاه وسائر الحظوظ الدّنيويّة.
ثمّ هدّد المغيّرين لكتابه ، الحاكمين بغير أحكامه بقوله : ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ﴾ من الأحكام ، مستهينا بها ، رادّا لها ﴿فَأُولئِكَ﴾ المنكرون له بقلوبهم ، التّاركون له بأعمالهم ﴿هُمُ الْكافِرُونَ﴾ بالله وبكتابه حقّا ، الخالدون في النّار أبدا.
عن ( الكافي ) : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من حكم في درهمين بحكم جور ؛ ثمّ جبر عليه ، كان من أهل هذه
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٥١ / ١٢٧٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٨.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٥٠ / ١٢٧٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٩.