يسمعوا ذلك منه (١) .
ومع ذلك هم ﴿سَمَّاعُونَ﴾ ومبالغون في القبول ﴿لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ من اليهود الّذين ﴿لَمْ يَأْتُوكَ﴾ ولم يحضروا عندك تكبّرا وإفراطا في البغضاء.
قيل : ( سمّاعون ) بنو قريظة ، و( قوم آخرين ) يهود خيبر (٢) .
وهم ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ﴾ الذي في التّوراة ، ويزيلونه عن مواضعه ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ أنّ الله وضعه في ﴿مَواضِعِهِ﴾ ثمّ القوم الآخرون المحرّفون ﴿يَقُولُونَ﴾ لعوامهم وأتباعهم السمّاعين لهم عند إلقائهم الأقاويل الباطلة والكلمات المحرّفة إليهم : ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ﴾ من قبل محمّد ﴿هذا﴾ القول الذي قلنا لكم ﴿فَخُذُوهُ﴾ واقبلوا منه ، واعملوا بمقتضاه لأنّه الحقّ ، مع كونه باطلا محرّفا ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ﴾ بل اوتيتم غيره ﴿فَاحْذَرُوا﴾ وامتنعوا عن قبوله.
قيل : سبب نزول الآية ما مرّ من حكم النبيّ بالرّجم ، وحكومة ابن صوريا فيه (٣) .
وعن القمّي رحمهالله : كان سبب نزولها أنّه كان في المدينة بطنان من اليهود من بني هارون ؛ وهم النّضير وقريظة ، وكانت قريظة سبعمائة ، والنّضير ألفا ، وكانت النّضير أكثر مالا وأحسن حالا من قريظة ، وكانوا حلفاء لعبد الله بن ابيّ ، فكان إذا وقع بين قريظة والنّضير قتل ، وكان القتيل (٤) من بني النّضير قالوا لبني قريظة : لا نرضى أن يكون قتيل منّا بقتيل منكم ؛ فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة ، حتّى كادوا أن يقتتلوا ، حتّى رضيت قريظة وكتبوا بينهم كتابا على أنّه أيّ رجل من النّضير قتل رجلا من بني قريظة أن يجنّب ويحمّم (٥) ، والتّجنبة أن يقعد على جمل ، ويولى وجهه إلى ذنب الجمل ، ويلطّخ وجهه بالحمأة (٦) ، ويدفع نصف الدّية ، وأيّما رجل من قريظة قتل رجلا من النّضير أن يدفع إليه الدّية كاملة ، ويقتل به.
فلمّا هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآله [ إلى المدينة ] ، ودخل الأوس والخزرج في الإسلام ، ضعف أمر اليهود ، فقتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النّضير ، فبعث إليهم بنو النّضير أن ابعثوا إلينا دية المقتول وبالقاتل حتّى نقتله ، فقالت قريظة : ليس هذا حكم التّوراة ، وإنّما هو شيء غلبتمونا عليه ، فأمّا الدّية وأمّا القتل ، وإلّا فهذا محمّد بيننا وبينكم ، فهلمّوا وتحاكموا إليه.
فمشت بنو النّضير إلى عبد الله بن ابيّ فقالوا : سل محمّدا أن لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذي
__________________
(١ و٢) . تفسير روح البيان ٢ : ٣٩٣.
(٣) مجمع البيان ٣ : ٢٩٩ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٩٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢.
(٤) في المصدر : وكان القاتل.
(٥) يجنّب : يبعد ، ويحمّم : يسوّد وجهه بالفحم.
(٦) الحمأة : الطين الأسود.