في الجمع بين أخبار حدّ المحارب
ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل أخبار التّرتيب على رجحان رعاية قدر الجناية ، وصلاح الوقت ، وخصوصيّات حال الجاني ، وغير ذلك من المرجّحات ، كما دلّ عليه الخبر الوارد في شأن النّزول من قوله عليهالسلام : « فاختار الرّسول القطع » (١) .
واختلاف الأخبار في كيفيّة التّرتيب ، وإن اتّفقت على تعيّن النّفي للإخافة المجرّدة عن القتل وأخذ المال ، وإن اختلفت في المراد من النّفي ، ففي بعضها فسّر بالإيداع في الحبس ، وفي آخر بالغرق في البحر ، ولكنّ المشهور فتوى ونصّا هو النّفي من مصر إلى مصر ، ويمكن حمل الأوّل على من لا يؤمن فساده بتبعيده إلى أرض أخرى.
ثمّ لا فرق في الحكم بين الذّكر والانثى إذا تحقّقت الإخافة ، وتجريد السّلاح بقصدها ، بل قال بعض بعدم اعتبار تحقّق الإخافة ، كما إذا كان من جرّد السّلاح ضعيفا في الأنظار ، تمسّكا بإطلاق الأدلّة ، كإطلاقها لما إذا كان في برّ أو بحر ، أو مصر ، أو ليل أو نهار.
﴿إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)﴾
ثمّ استثنى سبحانه من عموم الحكم بالجزاء التّائبين بقوله : ﴿إِلَّا الَّذِينَ تابُوا﴾ إلى الله من محاربته وإخافته المؤمنين وإفساده في الأرض ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا﴾ وتستولوا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ فإنّه يسقط عنه الحدّ الذي هو حقّ الله دون حقوق النّاس من الضّمان والقصاص للإشعار به بقوله : ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وعدم ثبوت مخصّص لأدلّة القصاص والضّمان.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (٣٥)﴾
ثمّ لمّا كان الدّاعي إلى محاربة المؤمنين والسّعي في الفساد حبّ المال والمنافع الدّنيويّة ، أرشد النّاس بعد زجرهم عنه إلى عمل فيه جميع الخيرات الدّنيويّة والاخرويّة بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إن كنتم تطلبون خير الدّنيا ونفعها ، فلا تطلبوه بالإفساد في الأرض وقطع الطّرق ، بل ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ واحترزوا عن مخالفة أحكامه ﴿وَابْتَغُوا﴾ لأنفسكم ﴿إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ واطلبوا القربة منه بالأعمال الصّالحة والانقياد والطّاعة.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٤٥ / ١ ، تفسير العياشي ٢ : ٣٩ / ١٢٥٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١.