اسم الله خالصا على ذبائحهم ، ثمّ قال : والله ، لا يستحلّون ذبائحكم ، فكيف تستحلّون ذبائحهم؟(١).
إن قيل : بعد كون ما سوى ذبائح أهل الكتاب داخلا في عموم الطّيّبات ، فما وجه تخصيصه بالذّكر ؟
قلت : لعلّه دفع توهّم حرمته لدخوله في تصرّف المشركين كحرمة ذبائحهم ، كما دفع سبحانه حرمة طعام المسلمين عليهم بقوله : ﴿وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ .
والحاصل : أنّه لا شبهة في عدم جواز التّمسّك بعموم ﴿طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ لإثبات حلّ ذبائحهم ، لثبوت تخصيصه بغير ذبائحهم بالرّوايات المعتبرة المعمول بها بين الأصحاب ، وتعيّن حمل ما يعارضها على التّقيّة.
ثمّ من أيضا بتوسعته على المسلمين في المناكح بقوله : ﴿وَالْمُحْصَناتُ﴾ والعفائف أو الحرائر ﴿مِنَ الْمُؤْمِناتِ﴾ - عن الصادق عليهالسلام : « هنّ المسلمات » (٢) - حلّ لكم العقد عليهم مطلقا ﴿وَالْمُحْصَناتُ﴾ والعفائف ﴿مِنَ﴾ نساء ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ من اليهود والنّصارى ، أيضا حلّ لكم ﴿إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ﴾ ومهورهنّ - وإنّما سمّي المهر أجرا لأنّه عوض البضع والانتفاع ، ولا يتقدّر بقدر ، وفي الاشتراط مع صحّة النّكاح بدون إعطاء المهر دلالة على تأكّد وجوب أدائه - حال كونكم ﴿مُحْصِنِينَ﴾ فروجكم ، وحافظين لها من الزّنا بنكاحهنّ ﴿غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ ومجاهرين بالزّنا معهنّ ﴿وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ﴾ ومتستّرين به.
عن الشّعبي : الزّنا ضربان : سفاح ، وهو الزّنا على سبيل الإعلان. واتّخاذ خدن : وهو الزّنا في السّرّ(٣) .
وفي تخصيص المحصنات بالحلّ ، مع جواز نكاح غيرهنّ ، إشعار بأولويّتهنّ.
وقد مرّ بعض الكلام في كونها ناسخة لقوله : ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾(٤) ، أو منسوخة به ، أو بقوله : ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ﴾(٥) في طرفة بيان النّاسخ والمنسوخ (٦) .
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان تكميل الدّين ، وتسهيل الأحكام في المطعم والمنكح ، هدّد الكافرين بهذه الملّة السّمحة السّهلة بقوله : ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ﴾ ويمتنع من الالتزام بتلك الأحكام ﴿فَقَدْ حَبِطَ﴾ وبطل ﴿عَمَلُهُ﴾ الصّالح الذي عمله في السّابق ، أو قبل موته ؛ فلا يثاب عليه أبدا ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ﴾ يكون ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ والمغبونين ؛ حيث باع الجنّة والنّعيم الآبد بالجحيم والعذاب الدّائم.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٦٣ ، تفسير الصافي ٢ : ١٢.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ١٣ / ١١٩٧ ، تفسير الصافي ٢ : ١٢.
(٣) تفسير الرازي ١١ : ١٤٨.
(٤) الممتحنة : ٦٠ / ١٠.
(٥) البقرة : ٢ / ٢٢١.
(٦) راجع الطرفة (٢٠) من المقدمة.