﴿يَسْئَلُونَكَ﴾ يا محمّد ، عن أنّه ﴿ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ من المطاعم ؟ وما الذي رخّص لهم في أكله ؟ ثمّ أمر بجوابهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ للسّائلين : ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ وكلّ ما لا تستخبثه الطّباع السّليمة ، أو [ كلّ ما ] يستلذّ منه ذوو المروءات ، كما قيل (١) .
وقيل : إنّ العرب في الجاهليّة كانوا يحرّمون أشياء من الطّيّبات كالبحيرة والسّائبة والوصيلة والحام ، مع حكمهم بكونها طيّبة (٢) ، فردّ الله عليهم بترخيصه في أكلها.
ويمكن أن يكون المراد ما لا ضرر في أكله في نظر الشّارع. وعليه تكون مجملة محتاجة إلى البيان.
ثمّ نصّ سبحانه على حلّيّة قسم خاص منها ، للاهتمام بالتّنبيه عليه بقوله : ﴿وَما عَلَّمْتُمْ﴾ قيل : إنّ التّقدير : صيد ما علمتم (٣)﴿مِنَ الْجَوارِحِ﴾ والكواسب من السّباع والطّير ، حال كونهنّ ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ ومؤدّبين الاصطياد (٤) .
قيل : سمّي تأديب الجوارح تكليبا ، لكثرة كون التّأديب في الكلاب (٥) .
ثمّ أكّد سبحانه اشتراط حلّ صيدهنّ بالتّأديب ، بقوله : ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ﴾ وألهمكم به من طرق التّأديب.
عن الصادق عليهالسلام ، قال : « في كتاب عليّ عليهالسلام ، في قول الله تعالى : ﴿وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ قال : هي الكلاب » (٦) .
وقيل : إنّ ﴿ما عَلَّمْتُمْ﴾ مبتدأ ، خبره : ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ﴾(٧) .
﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ﴾ من الحيوانات ﴿عَلَيْكُمْ﴾ لا على أنفسهنّ.
قيل : أدبهنّ : اتّباعهنّ الصّيد بإرسال صاحبهنّ ، وانزجارهنّ بزجره ، وانصرافهنّ بدعائه ، وإمساكهنّ عليه الصّيد : بأن لا يأكلن منه وإن قتلنه (٨) .
﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ﴾ حين إرسالهنّ.
عن القمّي رحمهالله : عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن صيد البزاة والصّقور والفهود والكلاب ، قال : « لا ، [ تأكل ] إلّا ما ذكّيت ، إلّا الكلاب » . قيل : فإنّه قتله ؟ قال : « كل ، فإنّ الله يقول : ﴿وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٣٤٥.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ١٤١.
(٣) تفسير الرازي ١١ : ١٤٢.
(٤) كذا ، والظاهر من التفاسير : حال كونكم مكلبين ومؤدبين للاصطياد.
(٥) تفسير الرازي ١١ : ١٤٣.
(٦) الكافي ٦ : ٢٠٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٢ / ٨٨ ، تفسير الصافي ٢ : ١١.
(٧) تفسير الرازي ١١ : ١٤٣ ، تفسير أبي السعود ٣ : ٨.
(٨) تفسير أبي السعود ٣ : ٨.