والبدن بدن غيره (١) .
وقيل : إنّ اليهود حبسوا عيسى عليهالسلام مع عشرة من الحواريّين في بيت ، فدخل [ عليه ] رجل [ من اليهود ] ليخرجه ويقتله ، فألقى الله شبه عيسى عليه ، [ ورفع إلى السماء ] فأخذوا ذلك الرّجل وقتلوه على أنّه عيسى ، ثمّ قالوا : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ وإن كان صاحبنا فأين عيسى ؟ (٢)
فأشار سبحانه إلى اختلاف اليهود في قتله بقوله : ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ من اليهود والنّصارى - كما قيل إنّهم أيضا مختلفون في قتله (٣) - أو [ من ] الفريقين الّذين خالفوا وأعتقدوا قتله ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ﴾ وتردّد فيه ﴿ما لَهُمْ بِهِ﴾ شيء ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ واعتقاد جازم ، وليس لهم في ادّعاء قتل عيسى ، أو في جميع الأمور الدّينيّة عمل ودأب ﴿إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ﴾ ولا يغني الظّنّ من الحقّ شيئا.
ثمّ أكّد سبحانه تكذيبهم في دعوى قتله بقوله : ﴿وَما قَتَلُوهُ﴾ قتلا ﴿يَقِيناً﴾ أو المراد : أنّ نفي القتل يكون يقينا وحقّا ، لا ينبغي أن يشكّ فيه.
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨)﴾
ثمّ أضرب وأعرض عن الدّعوى الكاذبة بقوله : ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ وإلى سمائه ومحلّ كرامته وقربه.
قيل : إنّ الحكمة في رفعه إلى السّماء تبرّك الملائكة بصحبته ؛ لأنّه كلمة الله وروحه (٤) .
وقيل : إنّه لمّا لم يكن دخوله في الدّنيا من باب الشّهوة ، لم يكن خروجه منها من باب المنيّة ، بل دخل من باب القدرة ، وخرج من باب العزّة (٥) .
أقول : فيه نظر ، إذ لا بدّ من خروجه بعد عوده إلى الأرض من باب المنيّة ؛ لقوله تعالى : ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾(٦) . ويمكن أن يكون الحكمة في رفعه إلى السّماء تقريب صحّة دعوى الرّسول العروج إلى السّماء ، والاستدلال به على إمكانه.
ثمّ دفع الله سبحانه استبعاد رفعه إلى السّماء بهذا البدن العنصري ، بقوله : ﴿وَكانَ اللهُ عَزِيزاً﴾ غالبا على أمره ، قادرا على ما يريد ﴿حَكِيماً﴾ في أفعاله.
عن السّجاد عليهالسلام : « أنّ لله بقاعا في سماواته ، فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ، ألا تسمع الله يقول في قصّة عيسى ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ﴾(٧) .
__________________
(١ و٢) . تفسير الرازي ١١ : ١٠١.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٣١٨.
(٤ و٥) . تفسير روح البيان ٢ : ٣١٩.
(٦) آل عمران : ٣ / ١٨٥.
(٧) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٢٧ / ٦٠٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧٩.