الظّاهري وغيرها ، وعد التّفريق بين المؤمنين الخلّص ، وبيّن المنافقين في الآخرة مخاطبا لجميعهم بقوله : ﴿فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ أيّها الفريقان بالفرق والامتياز في الظّاهر ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ بإكرام المؤمنين الخلّص (١) وإعطائهم الثّواب الجزيل ، وإذلال المنافقين وإدخالهم النّار.
ثمّ لمّا أثبت الله للكفّار الغلبة الاتّفاقيّة بالسّيف ، نفى عنهم الغلبة على المؤمنين بالحجّة بقوله : ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ﴾ ولم يفتح لهم ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ بالحجّة أبدا ، وإن اتّفق لهم عليهم أحيانا وبحسب الحكمة سبيلا في القوّة.
في معنى عدم جعل السبيل للكفار على المؤمنين
عن الرضا عليهالسلام - في رواية - أنّه قيل له : قوم يزعمون أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام لم يقتل ، وأنّه ألقي شبهة على حنظلة بن أسعد الشّامي (٢) ، وأنّه رفع إلى السّماء كما رفع عيسى بن مريم ، ويحتجّون بهذه الآية : ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
فقال عليهالسلام : « كذبوا ، عليهم غضب الله ولعنته ، وكفروا بتكذيبهم النبي صلىاللهعليهوآله في إخباره بأنّ الحسين عليهالسلام سيقتل ، والله لقد قتل الحسين عليهالسلام ، وقتل من كان خيرا من الحسين ؛ أمير المؤمنين ، والحسن بن عليّ ، وما منّا إلّا مقتول ، وإنّي لو الله مقتول باغتيال من يغتالني ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين.
فأمّا قوله عزوجل : ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ فإنّه يقول : لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجّة ، ولقد أخبر الله عن كفّار قتلوا النّبيّين بغير الحقّ ، ومع قتلهم إيّاهم لن يجعل الله لهم على أنبيائهم سبيلا من طريق الحجّة » (٣) .
وقيل : إنّ المراد من عدم جعل السّبيل في القيامة وقيل : إنّه عامّ في الكلّ إلّا ما خصّه الدّليل(٤).
أقول : الظّاهر أنّ المراد من جعل الله في المقام : الجعل التّشريعي لا التّكويني ، ولا الأعمّ منهما حتّى يشمل الغلبة في الحرب والمصارعة وأمثالهما ، ويمكن أن يكون أعمّ من جعل الآيات الدّالّة على الحقّ والأحكام الوضعيّة أو التّكليفيّة ، الموجبة لاستيلاء الكفار على المؤمنين ، ولذا استدلّ الفقهاء بهذه الآية في مسائل :
منها : عدم جواز إبقاء العبد المسلم في ملك الكافر ، بل يقهر الكافر على بيعه من مسلم ، فإن امتنع
__________________
(١) في النسخة : الخلّصين.
(٢) كذا ، وروي الشبامي ، وشبام بطن من همدان ، انظر : كتاب أنصار الحسين عليهالسلام : ٧٠ / ١٨.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٠٣ / ٥ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧٤.
(٤) تفسير الرازي ١١ : ٨٣.