ثمّ أنّه تعالى أكّد الإعلان بعدم شمول مغفرته للمشركين تنبيها على سوء حال طعمة (١) ، وتزهيدا للنّاس من الشّرك ، بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ .
قيل : جاء شيخ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : إنّي شيخ منهمك في الذّنوب ، إلّا أنّي لم اشرك بالله شيئا منذ عرفته ، وآمنت به ولم أتّخذ من دونه وليّا ، ولم أواقع المعاصي جرأة عليه ، وما توهّمت طرفة عين أنّي اعجز الله هربا ، وإنّي لنادم تائب (٢) ، فما ترى حالتي عند الله ؟ فنزلت هذه الآية (٣) .
ثمّ علّل عدم قابليّة الشّرك للمغفرة بقوله : ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَ﴾ عن الحقّ ، والصّراط المستقيم ﴿ضَلالاً بَعِيداً﴾ حيث إنّ الشّرك أعظم أنواع الضّلال ، وأبعدها من الصّواب.
﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ
لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٧) و (١١٨)﴾
ثمّ بيّن أنّ الشّرك غاية الضّلال ؛ بقوله توبيخا للمشركين : ﴿إِنْ يَدْعُونَ﴾ وما يعبدون ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سوى الله ﴿إِلَّا إِناثاً﴾ .
قيل : إنّما سمّى الأصنام إناثا ؛ لأنّ العرب كانو يصوّرونها بصورة الإناث ، ويلبسونها أنواع الحلل التي يتزيّن بها النّساء ، ويسمّونها بأسماء المؤنّثات ، نحو : اللّات التي هي تأنيث الله ، والعزّى التي هي تأنيث العزيز ، ومناة (٤) .
وقيل : لم يكن حيّ من العرب إلّا ولهم صنم يعبدونه ، ويسمّونه انثى فلان (٥) .
وقيل : إنّ المراد من الإناث : الملائكة ، حيث إنّهم كانوا يقولون : الملائكة بنات الله (٦) .
ثمّ بيّن سبحانه أنّ عبادة الأوثان عين عبادة الشّيطان ، بقوله : ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ﴾ وما يعبدون ﴿إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً﴾ مبالغا في التّمرّد عن طاعة الله ،
ولذا ﴿لَعَنَهُ اللهُ﴾ وأبعده من ساحة رحمته ، وطرده عن سماواته.
ثمّ ذمّه بمعارضته له بقوله : ﴿وَقالَ﴾ الشيطان بعد امتناعه عن السّجدة لآدم معارضة لله ، وعداوة لبني آدم : ﴿لَأَتَّخِذَنَ﴾ يا ربّ ﴿مِنْ عِبادِكَ﴾ وإمائك ﴿نَصِيباً﴾ وحظّا وافرا ﴿مَفْرُوضاً﴾ ومقطوعا ، أو مقدّرا لعبادتي واتّباع خطواتي.
__________________
(١) راجع تفسير الآيتين (١٠٥ و١٠٦) من هذه السورة.
(٢) زاد في تفسير أبي السعود : مستغفر.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٣٣.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٢٨٦.
(٥ و٦) . تفسير أبي السعود ٢ : ٢٣٣.