ثمّ أنّه تعالى بيّن - بعد الأمر بجهاد الكفّار - أنّهم وإن وجب قتالهم وقتلهم ، ولكن لا يجوز خيانتهم ، ولا الحكم عليهم بغير الحقّ لمن خانهم ، بقوله : ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ﴾ الذي هو دليل صدقك ، لكونه مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ وشواهد الصّدق ، وأنّه من الله ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ وفي منازعاتهم ﴿بِما أَراكَ اللهُ﴾ من أحكامه ، وبما عرّفك من الوحي ، فاحكم به بينهم ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ﴾ ولأجلهم ﴿خَصِيماً﴾ ومعارضا للبريئين والمحقّين ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللهَ﴾ ممّا وقع في قلبك من الحكم للخائنين ومساعدتهم ﴿إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً﴾ لمن استغفره ﴿رَحِيماً﴾ بمن تاب إليه.
في قصة سرقة بني ابيرق
روي أن أبا طعمة بن ابيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النّعمان ، وخبّأها عند رجل من اليهود ، فأخذ الدّرع من منزل اليهودي ، فقال : دفعها إليّ أبو طعمة ، فجاء بنو ابيرق إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وكلّموه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا : إن لم تفعل ذلك (١) افتضح أبو طعمة ، وبرئ اليهودي ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يفعل وأن يعاقب اليهودي ، فنزلت (٢) .
وعن القمّي رحمهالله : أن سبب نزولها أنّ قوما من الأنصار من بني ابيرق ، وهم إخوة ثلاثة : طعمة (٣) ومبشر وبشير كانوا منافقين ، فنقبوا على عمّ قتادة بن النّعمان ، وكان بدريّا ، وأخرجوا طعاما كان أعدّه لعياله وسيفا ودرعا ، فشكا قتادة ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا رسول الله ، إنّ قوما نقبوا على عمّي ، وأخذوا طعاما كان أعدّه لعياله ، ودرعا وسيفا ، وهم أهل بيت سوء ، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل.
فقال بنو ابيرق لقتادة : هذا عمل لبيد بن سهل ، فبلغ ذلك لبيدا ، فأخذ سيفه وخرج عليهم ، فقال : يا بني ابيرق ، أترمونني بالسّرق وأنتم أولى به منّي ، وأنتم المنافقون ، تهجون رسول الله وتنسبونه إلى قريش ، لتبيّنن ذلك أو لأملئنّ سيفي منكم ، فداروه وقالوا له : ارجع رحمك الله ، فإنّك بريء من ذلك.
فمشى بنو ابيرق إلى رجل من رهطهم ، يقال له اسيد بن عروة ، وكان منطيقا بليغا ، فمشى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ، إنّ قتادة بن النّعمان عمد إلى أهل بيت منّا أهل شرف وحسب ونسب ، فرماهم بالسّرق ، وأتاهم بما ليس فيهم. فاغتمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله من ذلك ، وجاء قتادة إليه ، فأقبل عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال له : « عمدت إلى أهل بيت شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسّرقة » ، فعاتبه عتابا شديدا.
فاغتمّ قتادة من ذلك ، ورجع إلى عمّه وقال : ليتني متّ ولم اكلّم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقد كلّمني بما
__________________
(١) في جوامع الجامع : هلك و.
(٢) جوامع الجامع : ٩٦.
(٣) في المصدر وتفسير الصافي : بشر.