فقال [ له ] : « اذهب في نفر من أصحابك حتّى تنظر ما أقدم أشجع » ، فخرج أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال : ما أقدمكم ؟ فقام إليه مسعود بن رخيلة ؛ وهو رئيس أشجع ، فسلّم على أسيد وعلى أصحابه وقالوا : جئنا لنوادع محمّدا ، فرجع أسيد إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « خاف القوم أن أغزوهم ، فأرادوا الصّلح بيني وبينهم » .
ثمّ بعث إليهم بعشرة أحمال (١) تمر فقدّمها أمامه ، ثمّ قال : « نعم الشيء الهديّة أمام الحاجة » ، ثمّ أتاهم فقال : « يا معشر أشجع ، ما أقدمكم ؟ قالوا : قريب دارنا منك ، وليس في قومنا أقلّ عددا منّا ، فضقنا بحربك لقرب دارنا ، وضقنا بحرب قومنا (٢) لقلّتنا فيهم ، فجئنا لنوادعك ، فقبل النبي صلىاللهعليهوآله ذلك منهم ووادعهم ، فأقاموا يومهم ثمّ رجعوا إلى بلادهم ، وفيهم نزلت هذه الآية : ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾ إلى آخر الآية (٣) .
والقمّي عن الصادق عليهالسلام : « كانت السّيرة من رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ، ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده ، وقد كان نزل في ذلك من الله تعالى : ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله ، حتّى نزلت عليه سورة براءة ، وامر بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلّا الّذين قد عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم فتح مكّة إلى مدّة ، منهم صفوان بن اميّة وسهيل بن عمرو (٤) ، وسيجيء تمام الحديث في سورة براءة.
﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ
أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)﴾
ثمّ أذن سبحانه في قتال المعاهدين الّذين أرادوا بعهدهم الغدر بالمسلمين ، ونقضوه بقوله :
﴿سَتَجِدُونَ﴾ قوما ﴿آخَرِينَ﴾ من الكفّار الّذين ﴿يُرِيدُونَ﴾ بعهدهم ﴿أَنْ يَأْمَنُوكُمْ﴾ ويستريحوا من بأسكم بالعهد ، أو بإظهار كلمة التّوحيد ﴿وَيَأْمَنُوا﴾ أيضا ﴿قَوْمَهُمْ﴾ بإظهار الكفر عندهم.
قيل : هم قوم من بني أسد وغطفان ، إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين ، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم (٥) .
__________________
(١) في المصدر : أجمال.
(٢) في المصدر : قومك.
(٣) تفسير القمي ١ : ١٤٥ ، تفسير الصافي ١ : ٤٤٤.
(٤) تفسير القمي ١ : ٢٨١ ، تفسير الصافي ١ : ٤٤٥ ، وفي النسخة : سهل بن عمر.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ٢١٤ ، تفسير روح البيان ٢ : ٢٥٨.