ناسا كثيرا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له : فنحاص بن عازوراء ، وكان من علمائهم ، ومعه حبر آخر يقال له : أشيع ، فقال أبو بكر لفنحاص : اتّق الله وأسلم ، فو الله إنّك لتعلم أنّ محمّدا لرسول الله ، قد جاءكم بالحقّ من عند الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التّوراة ، فآمن وصدّق وأقرض الله قرضا حسنا ، يدخلك الجنّة ، ويضاعف لك الثّواب. فقال فنحاص : يا أبا بكر ، تزعم أنّ ربّنا يستقرض أموالنا ! وما يستقرض إلّا الفقير من الغنيّ ، فإن كان ما تقول حقّا فإنّ الله فقير ونحن أغنياء ، وأنّه ينهاكم عن الرّبا ويعطينا ، ولو كان غنيّا ما أعطانا الرّبا. فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة. وقال : والّذي نفسي بيده ، لو لا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدوّ الله ، فذهب فنحاص إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فشكاه وجحد ما قاله ، فنزلت الآية ردّا عليهم (١) .
وقيل : القائل حيي بن أخطب (٢) .
وعن القمّي رحمهالله ، قال : والله ، ما رأوا الله فيعلموا أنّه فقير ، ولكنّهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا : لو كان غنيّا لأغنى أولياءه ؛ ففخروا على الله بالغنى (٣) .
وعن ( المناقب ) : هم الّذين زعموا أن الإمام يحتاج (٤) إلى ما يحملونه إليه (٥) .
ثمّ هدّد الله سبحانه القائلين على قولهم الشّنيع بقوله : ﴿سَنَكْتُبُ﴾ في صحيفة الكتبة أو المراد: سنثبت في القرآن ، أو نحفظ في علمنا ، للاهتمام بالحفظ ﴿ما قالُوا﴾ من هذا القول السّيء ، لتعذيبهم عليه ، أو لإبقاء شينه عليهم إلى آخر الدّهر. وقيل : إن المراد : سنثبت عليهم إثم هذا القول وعقوبته.
و( السين ) دالّ على التّأكيد.
ثمّ أردف سبحانه أقوالهم الشّنيعة بأعمالهم التي في الشّناعة كأقوالهم ، بقوله : ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ﴾ المقرّبين ، مع كونهم عالمين أنّه ﴿بِغَيْرِ حَقٍ﴾ وجرم.
وفيه تنبيه على أنّ من كان في الجهالة والشّقاوة بدرجة يكون قاتلا للأنبياء ، أو راضيا بفعل من قتلهم ، أو من نسلهم ، لا يبعد منه هذا القول الشّنيع الذي في العظمة مثل ذلك الفعل.
ثمّ بالغ في التّهديد بقوله : ﴿وَنَقُولُ﴾ لهم عند الموت ، أو في المحشر ، أو بعد قراءتهم الكتاب:
ادخلوا النّار ، و﴿ذُوقُوا﴾ واطعموا ﴿عَذابَ الْحَرِيقِ﴾ وأنظروا كيف طعمه ، كما أذقتم المرسلين والمسلمين مرارة الكروب والغصص.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ١٣٤.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٨٩٨.
(٣) تفسير القمي ١ : ١٢٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٣.
(٤) زاد في المصدر : منهم.
(٥) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٤٨.