وقيل : إنّ المعنى : سيكلّفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة.
وقيل : إنّ المعنى سيلزمون إثم ما بخلوا به في الآخرة. وهذا على طريق التّمثيل.
ثمّ لمّا كان للجاهل مجال توهّم أنّ مبالغته تعالى في الحثّ على إنفاق المال لمكان حاجته ، دفع ذلك التّوهّم بالتّنبيه على غنائه المطلق ، بقوله : ﴿وَلِلَّهِ﴾ وحده من غير شريك ﴿مِيراثُ﴾ أهل ﴿السَّماواتِ وَ﴾ أهل ﴿الْأَرْضِ﴾ وما يخلّفونه عند موتهم ، فلا يبقى لأحد ملك إلّا له ، وكلّ ملك باطل إلّا ملكه سبحانه.
ويحتمل أن يكون ذكر هذه القضيّة للإشعار بأنّه إذا كانت الأملاك زائلة غير باقية لأحد ، يكون منع الحقوق والبخل به خلاف العقل. وفيه تأكيد في الحثّ على الإنفاق.
ثمّ بالغ سبحانه في الوعيد على ترك الإنفاق ، بقوله : ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الحرص على جمع الأموال والتّعزّز بها ، ومنع الحقوق الواجبة فيها ﴿خَبِيرٌ﴾ ومطّلع لا يخفى عليه خافية.
وحاصل المضمون : أنّه ما لهم يبخلون بالزّكاة والحقوق الماليّة الواجبة ، مع كونه في غاية الضّرر عليهم ، وعدم بقاء الأموال لهم ، وغنائه تعالى عنهم ، وشدّة حاجتهم إلى الأداء ، وإحاطته تعالى بخفيّات أعمالهم ، واشتداد غضبه تعالى على سيّئاتهم.
وقيل : إنّ قراءة ( تعملون ) بالتّاء - على الالتفات إلى الخطاب - أبلغ في الوعيد.
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا
وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد الحثّ على الإنفاق ، وذمّ البخل ، ودفع توهّم الحاجة إلى الخلق عن ساحته المقدّسة - تعرّض لقول من نسب إليه الحاجة ، بقوله : ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ﴾ وعلم ، كعلمكم بالمسموعات ﴿قَوْلَ﴾ اليهود ﴿الَّذِينَ قالُوا﴾ استهزاء بالقرآن ، أو إلزاما للمسلمين : ﴿إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ﴾ عديم المال ، محتاج إلى أموالنا ، حيث سأل منّا الصّدقات ﴿وَنَحْنُ أَغْنِياءُ﴾ لاستقراضه منّا.
قيل : في التّعبير عن العلم بهذا القول الشّنيع بالسّماع إيذان بأنّه من الشّناعة والقباحة بمكان لا يرضى قائله بأن يسمعه سامع (١) .
روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كتب مع أبي بكر إلى يهود [ بني ] قينقاع يدعوهم إلى الإسلام ، وإلى إقامة الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، وأن يقرضوا الله قرضا حسنا ، فدخل أبو بكر ذات يوم بيت مدراسهم (٢) ، فوجد
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ١٣٥.
(٢) المدراس : بيت تدرس فيه التوراة.