ويخسرون بصفقتهم خسرانا مبينا ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ .
قيل : لمّا كانت العادة باغتباط المشتري بما اشتراه ، وسروره بتحصيله عند كون الصّفقة رابحة ، وبتألّمه عند كونها خاسرة ، وصف الله عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك.
﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا
إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨)﴾
ثمّ لمّا كان تخلّف من تخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بتوهّم أن البقاء في الدّنيا خير من القتل في سبيل الله ، وأنّ حياتهم وطول تعيّشهم أنفع من شهادة شهداء احد ، أبطل الله ذلك التّوهّم بقوله : ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وتخلّفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله حبّا للحياة ، ولم يطيعوه في الخروج إلى الجهاد ﴿أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ﴾ ونطيل في أعمارهم في الدّنيا ، وتعيّشهم فيها.
قيل : إنّ ( ما ) موصولة ، وقيل : مصدرية. وعليه يكون المعنى لا يتوهّمون أنّ إمهالهم في الدّنيا وإبقاءهم فيها ﴿خَيْرٌ﴾ وأصلح ﴿لِأَنْفُسِهِمْ﴾ ولا تسرّ قلوبهم بطول عيشهم فيها ، لأنّ إمهالنا إيّاهم ليس بداعي الإحسان إليهم ، بل ﴿أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ﴾ ونطيل أعمارهم ﴿لِيَزْدادُوا﴾ بازدياد خبثهم في كلّ آن من الآنات ﴿إِثْماً﴾ على آثامهم من الاستمرار على الكفر والطّغيان ، واشتداد بغضهم للحقّ ، وجدّهم في محق الدّين ومحو آثاره ﴿وَلَهُمْ﴾ خاصّة بتلك الآثام في الآخرة ﴿عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لهم زائدا على ما في عذاب غيرهم من المهانة والذّل.
قيل : إنّما وصف سبحانه عذابهم بالوصف لأنّه كان غرضهم من البقاء في الدّنيا التّعزّز والتّكبّر فيها ، والتّمتّع بطيّباتها وزينتها.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « خير النّاس من طال عمره وحسن عمله ، وشرّ النّاس من طال عمره وساء عمله» (١) .
وعن العيّاشي : عن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن الكافر ، الموت خير له أم الحياة ؟ فقال : « الموت خير للمؤمن والكافر ؛ لأنّ الله يقول : ﴿وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ﴾(٢) ، ويقول : ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ﴾(٣) .
روي أنّه قال الله تعالى لرسول الله صلىاللهعليهوآله ليلة المعراج : « إنّ من نعمي على أمتك أنّي قصّرت أعمارهم كي لا تكثر ذنوبهم ، وأقللت أموالهم كي لا يشتدّ في القيامة حسابهم » (٤) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ١٣٠.
(٢) آل عمران ٣ : ١٩٨.
(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٣٥١ / ٨١٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٢.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ١٣٠.