رسولي ؛ لأنّ عذابي في الآخرة شديد.
﴿وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ
يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)﴾
ثمّ لمّا كان سعي الكفّار - في تخويف المؤمنين ، وتضعيف أمر الإسلام ، وارتداد قوم من المسلمين الضّعفاء خوفا من قريش - موجبا لحزن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وكسر قلبه الشّريف ، أخذ الله في تسليته بقوله : ﴿وَلا يَحْزُنْكَ﴾ المنافقون وضعفة المسلمين ﴿الَّذِينَ يُسارِعُونَ﴾ لشدّة حرصهم على الدّنيا ، وحبّهم الحياة ، في الدّخول ﴿فِي الْكُفْرِ﴾ بالارتداد ، أو بمظاهرة الكفّار ، والسّعي في إبطال أمر رسالتك.
قيل : إنّ المنافقين كانوا بعد وقعة احد يخوّفون المؤمنين من المشركين ، ويؤيسونهم من النّصر والغلبة ، ويقولون : إنّ محمّدا طالب ملك ، فتارة يكون الأمر له ، وتارة عليه ، ولو كان رسولا ما غلب وهذه الأقوال كانت تنفّر المسلمين عن الإسلام.
وقيل : إنّها نزلت في كفّار قريش ، والله جعل رسوله آمنا من شرّهم ، والمعنى ﴿وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ بأن يقصدوا جمع العساكر ﴿إِنَّهُمْ﴾ بهذا الصّنع ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللهَ﴾ وأولياءه ﴿شَيْئاً﴾ بل إنّما يضرّون أنفسهم به أشدّ الضّرر ، ويهلكونها أسوء هلاك.
ثمّ أشار سبحانه إلى علّة تركه إيّاهم على ما هم عليه من الانهماك في الكفر ، والسّعي في إطفاء نوره الحقّ ، والجدّ في مشاقّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ومعارضته بقوله : ﴿يُرِيدُ اللهُ﴾ أن يظهر ما في ذواتهم من الخباثة ، ويصل استعدادهم الذّاتي بأعمالهم السّيّئة إلى مقام الفعليّة حتّى لا تبقى فيهم قابلية التفضّل ، و﴿أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ﴾ بسبب عدم الأهليّة ﴿حَظًّا﴾ وإن كان قليلا ، ونصيبا وإن كان يسيرا ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ والدّار الباقية من الرّحمة والثّواب ﴿وَلَهُمْ﴾ مضافا إلى الحرمان الكلّي من الثّواب ، بدلا منه ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ لا يعلم عظمته إلّا الله العظيم ، فإنّ عظمة عذابهم لعظمة شأن المسارعة في الكفر عندهم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧)﴾
ثمّ أكدّ الوعيد بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا﴾ واستبدلوا ﴿الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ﴾ بأن اختاروا لأنفسهم الكفر ، وتركوا الإيمان الذي كان لوضوح دلائله وسهولة مآخذه كأنّه في ملكهم وقبضتهم ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللهَ﴾ ورسوله والمؤمنين أبدا ﴿شَيْئاً﴾ يسيروا من الضّرر ، بل يضرّون أنفسهم ضررا كثيرا ،