بقوله : ﴿هُمْ﴾ بسبب اختلاف أحوالهم وتباين أخلاقهم ﴿دَرَجاتٌ﴾ وطبقات متفاوتة ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي علمه وحكمه ، فكما أنّ أهل الجنّة مختلفون في الدّرجات ، كذلك أهل النّار مختلفون في الدّركات.
عن الرضا عليهالسلام : « الدّرجة ما بين السّماء والأرض » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « الأئمّة والله ، درجات للمؤمنين ، وبموالاتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف الله لهم أعمالهم ، ويرفع لهم الدّرجات العلى » (٢) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « [ أن ] أهون أهل النّار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار يغلي من حرّهما دماغه ، ينادي : يا ربّ ، وهل أحد يعذّب عذابي ؟ » (٣) .
قيل : في الآية حذف ، والتّقدير : لهم درجات ، أو : هم ذوو درجات.
ثمّ لمّا كان توفية جزاء الأعمال ، وعطاء الدّرجات بها ، متوقّفة على العلم بها ، بيّن سعة علمه بقوله : ﴿وَاللهُ بَصِيرٌ﴾ ومحيط علما ﴿بِما يَعْمَلُونَ﴾ من الحسنات والسّيّئات ، بحيث لا يعزب عنه مثقال ذرّة.
﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ (١٦٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الزّجر عن نسبة الغلول وكلّ ما لا يليق بساحة نبيّه إليّه ، ووجوب حفظ حرمته ، والالتزام بطاعته ، ومعرفة قدره ، ببيان كونه صلىاللهعليهوآله من أعظم نعم الله على أهل العالم ، بقوله : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ﴾ وتفضّل بنعمة عظيمة ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ من غير توقّع عوض. وتخصيصهم بالامتنان لزيادة انتفاعهم بها ، وإن كانت نعمة على المؤمن والكافر ، بل نعمة على العالمين ﴿إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ﴾ وأرسل إليهم ﴿رَسُولاً﴾ عظيم الشّأن.
في فوائد كون الرّسول صلىاللهعليهوآله من العرب
ومن كمال تلك النّعمة أنّ ذلك الرّسول كان ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ ومن جنسهم ليأنسوا به ، ومن أهل لسانهم ليفهموا لسانه ، ومن قبيلتهم ليكونوا واقفين على أخلاقه وكمالاته ، ويفتخروا على العالم بالانتساب إليه ، أو كونهم قومه ، حيث إنّه حصل للعرب بكونه صلىاللهعليهوآله عربيّا شرف عظيم بعد كونهم قبل بعثته من أذلّ النّاس وأبعدهم من شؤون الإنسانيّة.
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٥٠ / ٨٠٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٦.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٤٩ / ٨٠٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٦.
(٣) تفسير الرازي ٩ : ٧٦.