ثمّ أنّ الرّواية دالّة على قدح عظيم فيهما ، حيث إنّها - لدلالتها على تخصيص المشورة بهما ، مع وضوح أنّ مشورة النبيّ صلىاللهعليهوآله كانت لتطييب القلوب - دالّة على أنّ حفظ الإسلام كان موقوفا على تطييب قلوبهما ، وحفظ خاطرهما أزيد من تطييب قلوب المنهزمين ؛ لأنّه لا يؤمن مع ملالة خاطرهما على النبيّ صلىاللهعليهوآله من إخلالهما في أمره ، وإفسادهما في دينه ، فافهم.
وعن العيّاشي رحمهالله : كتب الجواد عليهالسلام إلى عليّ بن مهزيار « أن سل فلانا أن يشير عليّ ويتخيّر لنفسه ، فهو يعلم ما يجوز في بلده ، وكيف يعامل السّلاطين ، فإنّ المشورة مباركة ، قال الله تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوآله في محكم كتابه - وتلا هذه الآية وقال - : ﴿وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ يعني : الاستخارة » (١) .
في ( نهج البلاغة ) : « من استبدّ برأيه هلك ، ومن شاور الرّجال شاركها في عقولها » (٢) .
وفيه : « الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « وشاور في أمرك الّذين يخشون الله » (٤) .
ثمّ نبّه سبحانه على وجوب التّوكّل على الله في إنجاح المقصود بعد المشاورة ؛ بقوله : ﴿فَإِذا عَزَمْتَ﴾ وأحكمت الرّأي بعد المشاورة على عمل ، واطمأنّت به نفسك ، فلا تعتمد عليه ، بل إذا أردت إنفاذه ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ واعتمد عليه فيه ، حتّى يرشدك إلى ما هو أصلح وأرشد لك ، حيث إنّه لا يعلم ما هو الأصلح من جميع الجهات في الواقع إلّا الله ، لا أنت ولا من تشاوره.
في معنى التوكل
ثمّ بيّن سبحانه فضيلة التّوكّل ترغيبا إليه بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ في امورهم عليه ، حيث إنّ التّوكّل على الله ، وتفويض الأمور إليه ، لا يكون إلّا بعد معرفته ، ومعرفته ملازمة لمحبّته ، ومن أحبّ الله أحبّه الله ، ومن أحبّه الله نصره وهداه إلى كلّ خير وصلاح.
قيل : إنّ الآية دالّة على أنّ التّوكّل ليس معناه أن يهمل الإنسان نفسه ، ولا يراعي الأسباب الظّاهرة ، كما توهّمه كثير من الجهّال ، وإلّا لكان أمره تعالى بالمشاورة منافيا لأمره بالتّوكّل ، بل معناه أن يراعي الإنسان جميع الأسباب والمعدّات الظاهريّة ، ولكن لا يعوّل بقلبه عليها ، بل يعوّل على لطف الله وعصمته.
﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠)﴾
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٤٨ / ٨٠٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٤.
(٢) نهج البلاغة : ٥٠٠ / ١٦١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٤.
(٣) نهج البلاغة : ٥٠٦ / ٢١١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٤.
(٤) الخصال : ١٦٩ / ٢٢٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٤.