حتّى نالوا شرف الشّهادة ، وحازوا على درجة السّعادة.
﴿ثُمَ﴾ بعد عصيان الرّماة ﴿صَرَفَكُمْ﴾ الله ، وكفّ أيديكم ﴿عَنْهُمْ﴾ وهزمكم منهم بأن أوجد فيكم مقتضى الهزيمة من زوال الرّعب عن قلوب المشركين ، وإلقائه في قلوبكم ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ ويمتحنكم في الثّبات على الإيمان ، والصّبر في الجهاد ، حتّى يمتاز المخلصون الكاملون ، والصّابرون المحتسبون من غيرهم ﴿وَلَقَدْ عَفا﴾ الله ﴿عَنْكُمْ﴾ تفضّلا عليكم ، أو لما علم من ندمكم على عصيانكم بالفرار من الزّحف ، والهزيمة من الجهاد.
ثمّ لمّا كان امتياز الثّابتين في الإيمان من غيرهم ، والعفو عن العصاة ، تفضّلا من الله تعالى ، وصف ذاته المقدّسة بقوله : ﴿وَاللهُ ذُو فَضْلٍ﴾ عظيم ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ كافّة بتكميل نفوس المطيعين منهم ، وتعلية درجاتهم ، وتوفيق العاصين منهم للتّوبة ، وتكفير ذنوبهم.
وقيل : إنّ المراد ذو فضل عليهم في جميع أحوالهم [ سواء ] كانت الدّولة لهم أو عليهم.
﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا
بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما
تَعْمَلُونَ (١٥٣)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى وقت صرفهم عنهم بقوله : ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ وحين تذهبون في السّهل والجبل منهزمين من بأس المشركين ﴿وَلا تَلْوُونَ﴾ من شدّة الخوف ﴿عَلى أَحَدٍ﴾ من النّاس ، ولا تلتفتون إلى من في يمينكم وشمالكم وورائكم.
وقيل : إنّ المراد : لا يقف بعضكم لبعض ، ولا ينظر نفس إلى نفس أنّه والد أو ولد ، قريب أو بعيد ، صديق أو عدوّ.
﴿وَالرَّسُولُ﴾ في هذا الحال ، بأعلى صوته ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ ويناديكم - حال كونه واقفا ﴿فِي أُخْراكُمْ﴾ وساقتكم (١) ، أو في جماعة اخرى منكم ، أو في آخركم - بقوله : « إليّ عباد الله ، أنا رسول الله ، أين تفرّون عن الله ، وعن رسوله ؟ » .
وفي رواية : يقول : « من كرّ فله الجنّة » (٢) أمرا بالمعروف وهو الكرّ ، ونهيا عن المنكر وهو الانهزام ، لا استعانة بهم.
﴿فَأَثابَكُمْ﴾ الله ، وجازاكم عن عصيانكم وانهزامكم ﴿غَمًّا﴾ متّصلا ﴿بِغَمٍ﴾ آخر.
__________________
(١) السّاقة : مؤخّرة الجيش.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ١١٠ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٢.