الأصل العملي
بعد أن نفى من
نفى الاطلاق عن الأمر ، وأثبتوه بطريق آخر ، كما أشرنا تحدثوا عما يقتضيه الأصل
العملي من البراءة أو الاحتياط على فرض عدم وجود دليل أو أصل يثبت التوصل أو
التعبد. وذهب صاحب (الكفاية) الى وجوب الاحتياط ، لأن الشك في قصد الامتثال ليس
شكا في وجوب الجزء كالسورة من الصلاة ، أو في وجوب الشرط كنظافة الساتر حين الصلاة
مثلا ، وانما هو شك في سقوط التكليف بعد العلم به. والتكليف اليقيني يستدعي
الامتثال اليقيني ، ومن تهاون استحق العقاب ، لأنه عصى مع البيان وقيام البرهان
على وجود التكليف.
وقال النائيني
بالبراءة ، لأن الشك في وجوب قصد الامتثال انما هو شك في ان الشارع هل أوجبه بأمر
مستقل ـ وهو الذي أطلق عليه متمم الجعل ـ أو ان الشارع سكت عنه. وبناء على ذلك
يكون الشك في أصل التكليف ووجوده لا في سقوطه والخروج عن عهدته.
وهذا هو الأرجح
والأقرب ، لأن هيئة الأمر تدل على طلب الفعل المدلول عليه بالمادة ، وليس منه قصد
الامتثال كما هو المفروض ، لأن طلبه يحتاج الى بيان زائد وجعل مستقل ، وهو منفي
بالأصل. وسوف نعود الى المسألة ثانية أو نظائرها في مبحث : دوران الأمر بين الأقل
والأكثر.
وتسأل
: ما رأيك في
قول من قال : إن قصد الامتثال من شئون الطاعة التي أوكل الشارع أمرها الى العقل ،
وبناء عليه فلا يفتقر قصد الامتثال الى بيان الشارع كي يقال : لو أراد لبيّن ،
وبالتالي فلا يكون العقاب على تركه عقابا بلا بيان ، وبما ان الاحتياط ممكن ومقدور
فيجب بحكم العقل؟
الجواب
:
أجل ، ما على
الرسول إلا بلاغ الأحكام وكفى ، أما الطاعة فيحكم بها العقل ، ولكن ليس له أن يشرع
أحكاما من عنده ويقول للمكلف الشاك في مراد الشارع : هذا حلال ، وهذا حرام.
والمفروض في مسألتنا ان المكلف يجهل ويشك في أن الشارع هل أوجب عليه قصد الامتثال
في هذا الفعل بالخصوص أو لا؟ والسبب الموجب لشكه عدم البيان ، ولا شأن للعقل في
ذلك إلا مجرد الحكم بقبح العقاب بلا بيان. وعليه فأصل البراءة محكم ومحتم.