وصفات الراوي ، وموافقة الكتاب ، ومخالفة أهل الرأي والقياس كما أسلفنا ،
ولكن هل يجب الوقوف عندها والاقتصار عليها ، أو يسوغ التعدي عنها إلى مرجح يقرب
الخبر من الحق والواقع؟ قال النائيني : الأقوى وجوب الاقتصار على المرجحات
المنصوصة وعدم جواز التعدي عنها. وقال الانصاري بعدم الاقتصار ووجوب الأخذ بكل
مرجح يقرب إلى الواقع ، وهذا هو المشهور ، وعليه جمهور المجتهدين والمحققين ، وهو
الحق بالأدلة التالية :
١ ـ ان
المستفاد من الأخبار هو التخيير بين المتعارضين مع التعادل كما سبقت الاشارة ،
فاذا احتملنا وجود مرجح غير منصوص عليه في أحد الخبرين يدور الامر بين التعيين
والتخيير ، ومن المسلّمات الاولية أن العقل يحكم بالتعيين تحصيلا لليقين بفراغ
الذمة والخروج عن العهدة ، والطرف الثاني مشكوك فينفى بالأصل.
٢ ـ عمل
العقلاء قديما وحديثا ، فإنهم اذا خيروا بين أمرين اختاروا بفطرتهم ما يظنونه
الأرجح والأصلح.
٣ ـ قال
الأنصاري ما معناه : من دقق النظر في أخبار الترجيح ينتهي لا محالة إلى الجزم بأن
المرجحات المنصوصة هي وسيلة إلى الواقع ، وليست غاية في نفسها ، وإذن فكل ما يقرب
إلى الواقع فهو مرجح سواء أنص عليه الشارع أم سكت عنه ، بالإضافة إلى حديث «دع ما
يريبك إلى ما لا يريبك» حيث دل بعمومه على أنه إذا دار الأمر بين شيئين ، في
أحدهما للريب ، والآخر لا ريب فيه ـ وجب العمل بالسليم من الريب ، وترك ما يشوبه
الريب. ومن البديهي إذا وجد المرجح في أحد الخبرين ينتفي الريب عنه بالنسبة إلى
العاري عن المرجح ، فيتعين العمل بالأول.
والخلاصة ان
الحكم في الخبرين المتكافئين هو التساقط بحسب الأصل ، والتخيير بحسب القاعدة
الثانوية المستفادة من الاخبار ، وإذا وجدت مزية في احدهما دون الآخر فصاحبها
المقدم سواء أكانت منصوصة أم لا نص عليها ، وإذا كان لكل خبر مزية تخصه مع
اختلافهما في النوع ـ وازن المجتهد بينهما بنظره وورعه.
وختاما فإن
الغرض الاول من هذه الصفحات أن تكون تبصرة للمبتدي ، وتذكرة للمنتهي ، فإن بلغت
هذه الغاية فمن توفيق الله وفضله وإلا فهي جهد العاجز ، فقد بدّلت أقصى ما أملك من
جهد بخاصة من أجل تفهم أقوال الشيخ الانصاري ،