لا ترجيح بلا مرجح ، ويختلف نوع المرجح تبعا لهوية ما يراد الترجيح بينهما
، ولا خلاف بين القائلين بالترجيح في أن كل ما نص عليه الشارع من المرجحات بين
الخبرين فهو حجة لازمة يجب التعبد به ، ولكنهم اختلفوا : هل يجب الوقوف عند
المرجحات المنصوصة والاقتصار عليها ، أو يجوز التعدي عنها إلى غيرها ، وهذا هو
الموضوع الأساسي لبحثنا في هذا الفصل ، ونبدأ بالحديث عن المرجحات المنصوصة وهي :
١ ـ الشهرة
الروائية دون الفتوائية والعملية. (انظر فصل الاجماع ، فقرة اقسام الشهرة) وقد جاء
في «مقبولة» ابن حنظلة : «ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور» والمراد بالخبر المشهور ما
شاع وذاع عند أهل الحديث ، ويقابله الشاذ ، وقال الشيخ الأنصاري : «ان سيرة
العلماء وطريقتهم في باب الترجيح مستمرة على تقديم الخبر المشهور على الشاذ».
والشهرة تدعم
سند الرواية وتقوّيه. وفي كتاب «جمع الجوامع» للسنّة : «العمل بالراجح واجب ..
وإذا كثر رواة أحد المتعارضين رجح على الآخر لأن الكثرة تفيد القوة». وفي مستصفى
الغزالي : «من المرجحات أن يكون رواة أحد الخبرين أكثر ، فالكثرة تقوي الظن».
٢ ـ الأحدث ،
والمراد به أن يكون صدور الخبر متأخرا عن صدور ما يعارضه ، فقد روي أن الإمام (ع)
سأل بعض أصحابه : «أرايت لو حدثتك بحديث ، ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك
بخلاف ذلك ، بأيهما كنت تأخذ؟ قال : بأحدثهما وأدع الآخر. فقال له الإمام : قد
أصبت».
وذكر الأنصاري
هذا الخبر وآخر بمعناه دون أن يعلق عليهما بشيء على غير عادته ، وأهمل النائيني
الترجيح بالأحدث فيما لديّ من مصادر ، وقال الآغا رضا في تعليقه على الرسائل : «لم
يتعرض المصنف للترجيح بالأحدثية ، كما أن الأصحاب أيضا لم يلتفتوا اليه في مقام
الترجيح .. وليس على المكلف الأخذ بالأحدثية ، بل عليه التحري والأخذ بما هو أقرب
إلى الواقع باستعمال سائر المرجحات ، كيف لا؟ وإلا لم يبق للتراجيح المنصوصة موقع
في سائر الروايات».
وهذه الشهادة
من صاحب «مصباح الفقيه» تعزز ما قاله السيد الصدر برواية