وجوب الفحص
أشرنا إلى أن التخيير بين المتعارضين أصل عملي يعتمد عليه الفقيه عند الشك في طريق الحكم وترجيح أحد المتعارضين أو تعادلهما. وهذا الشك ينتهي في واقعه إلى الشك في نفس الحكم. ومن المسلّمات والضرورات الدينية أن الشرط الأساسي لإعمال الأصل في الحكم المشكوك هو الفحص واليأس من العثور على الدليل وكل ما يمد اليه بسبب قريب أو بعيد ، وسبقت الاشارة إلى ذلك أكثر من مرة.
المقلّد وأصل التخيير
ليس شك أن المجتهد والمقلد بمنزلة سواء في جميع المسائل الفرعية ، كالتخيير في خصال الكفارة ، اما التخيير بين الخبرين المتعارضين فهو مسألة أصولية بحتة ، تقع في طريق الاستنباط ، وتختص بالمجتهد وحده مفتيا كان أم قاضيا ، فالمفتي يختار أحد الخبرين ويفتي المقلد بمعناه ومحتواه ، ولا يفتيه بالتخيير بين مؤدى كل من الخبرين.
ونسب إلى المشهور أنه يفتيه بالتخيير لا بمعنى الخبر المختار بحجة أن المجتهد ينوب عن المقلد في معرفة التعادل وحكمه ، ويبين له ذلك في أسلوب الفتوى بالتخيير!. وهذا اشتباه في التطبيق وخروج بالمسألة الاصولية إلى المسألة الفقهية.
واتفقوا قولا واحدا على أن القاضي إذا عرضت له مسألة فيها تعارض وتعادل كمقدار الحبوة ، يختار ويحكم ، ولا يسوغ له ، بل لا يعقل بحال أن يخيّر المتخاصمين ، لأنه نقض للغرض المقصود من القضاء وفصل الخصومة حيث يختار كل طرف ما يحلو له ، فتحدث الفوضى ويتسع الخرق.
لا خيار بعد الاختيار
إذا اختار الفقيه أحد المتعارضين يجب أن يستمر عليه ، ولا يسوغ له العدول عنه بعد ذلك إلى ما ترك بخاصة إذا استلزم ذلك المخالفة القطعية ، لأن أخبار