سار على دربه وقال : الدليل الشرعي وارد على الأصول العقلية ، وحاكم على الأصول الشرعية.
وبعد أن بيّن الأنصاري ورود الدليل الشرعي على الأصل العقلي ، وحكومته على الأصل الشرعي ـ قال : «ان هذا جار في الأصول اللفظية أيضا» ومراده من الأصول اللفظية أصل بقاء المطلق على إطلاقه والعموم على عمومه عند الشك في التقييد والاطلاق ، وأصل إرادة المتكلم المعنى الحقيقي لكلامه عند الشك في مراده ، فإن وجد الخاص ـ مثلا ـ وكان قطعي السند والدلالة فهو رافع لموضوع أصل العموم ووارد عليه تماما كالدليل الشرعي بالنسبة إلى الأصول العقلية ، لأن أصل بقاء العموم على عمومه ظني ، والخاص قطعي كما هو الفرض ، فيكون واردا لا حاكما.
وان كان الخاص ظنيّ السند والدلالة يترجح العمل بالأقوى ظهورا حتى ولو كان الأقوى هو العام. وهذا هو المفهوم من عبارة الأنصاري ، وقال النائيني : يجب تقديم الخاص على العام في شتى الأحوال لأنه قرينة تحدد المراد من العام ، وظهور القرينة مقدم على ظهور صاحبها وان كان أقوى من ظهورها. وهو الحق والصواب.
وان كان الخاص ظنيّ السند وقطعي الدلالة فهو حاكم على ظهور العموم عند الأنصاري ، واحتمل أن يكون واردا ، وسكت عن حكم قطعي السند وظني الدلالة ، ولكن النائيني قال برواية الخراساني : «ان الشيخ الأنصاري قد التزم في المسائل الفقهية بتقديم الخاص على العام مطلقا سواء أكان الخاص ظني السند والدلالة ، أم قطعي السند وظني الدلالة ، ولم يعارض ظهور الخاص بظهور العام».
وعلى ذلك جميع العلماء والعقلاء قديما وحديثا بدافع الفطرة والسليقة ، والكثير منهم لا يعرفون معنى الورود والحكومة ، ولا قاعدة التخصيص وأصل الظهور والاطلاق.
والخلاصة أنه لا معارضة إطلاقا بين أي دليل من الأدلة الاجتهادية من جهة ، وبين أي أصل من الأصول العملية واللفظية كأصل الظهور أو ارادة الحقيقة وما أشبه ، لأن الركن الركين في المعارضة هو أن يتحد المتعارضان موضوعا وحكما ، والدليل الشرعي الاجتهادي يرفع موضوع الأصل من الأساس على سبيل