الكلي والفرد المحتمل
٣ ـ أن نعلم بأن زيدا كان في الدار ـ مثلا ـ وخرج منها ، ونحتمل حلول بكر محله ، وبهذا يحدث لنا القطع بوجود الانسان الكلي ، ونشك في بقائه باعتبار ان وجود الكلي عين وجود أفراده. وقسموا هذا الفرض إلى ثلاثة أقسام (١) احتمال وجود بكر في الدار قبل خروج زيد منها. (٢) احتمال دخول بكر اليها في نفس اللحظة التي خرج فيها زيد. (٣) احتمال ان يكون الفرد الثاني المشكوك من نوع الفرد الأول المعلوم ، ولكنه يختلف عنه شدة وضعفا كالعلم بسواد شديد في الثوب والشك في تحوله إلى سواد أخف وأضعف.
فهل يصح استصحاب الكلي في هذه الفروض بكاملها ، أو لا يصح في شيء منها ، أو في بعضها دون بعض؟. ذهب إلى كلّ فريق ، ونحن مع النافين بلا استثناء ، ومنهم صاحب الكفاية ، ودليلنا واضح وبسيط يفهمه ويهضمه حتى الطالب الكسول ، وهو :
هل يقع الكلي تحت حاسة من الحواس؟ وهل يفهم القارئ أو السامع كلاما لا يحس معناه ، ولا يدركه حتى في عالم التصور والخيال؟ واين يوجد هذا الكلي؟ وأجابوا بأن وجوده عين وجود أفراده ، ومعنى هذا ان الانسان الموجود في زيد ـ مثلا ـ له كل ما لزيد من ميول وانفعالات ، وآراء ومعتقدات ، واهتمام وعادات ، إلى آخر الخصائص والصفات ، وأيضا معنى هذا أن زيدا فيه كل ما في الانسان من عقل وعاطفة ، وطموح ومنافسة ، وحرص وابداع الخ وإلا كان احدهما غير الآخر ومنفصلا عنه.
وعليه يكون الاستصحاب في بقاء الانسان في الدار بعد خروج زيد في المثال السابق ـ تماما كاستصحاب بقاء زيد فيها مع العلم واليقين بخروجه منها ، واللازم باطل ومثله الملزوم. قال صاحب الكفاية : «الأظهر عدم جريان الاستصحاب لأن وجود الكلي وإن كان بوجود أفراده إلا أن وجوده في ضمن المتعدد ليس على نحو وجود واحد له ، بل متعدد حسب تعددها» أي أن الانسان في هذا الفرد غيره في ذاك الفرد ، ولا أدري إن كان هذا القول من وحي مذهب «هيرقليطس» القائل بالتغيير المستمر ، وأن الانسان لا يستطيع أن ينزل في