التكليفية والوضعية ، ويتلخص معنى الحديث الفقهي بأن النفي لم يتعلق بطبيعة الضرر ووجوده ، لأنه موجود بالحس والوجدان .. وانما القصد من النفي أن الله سبحانه ما شرع حكما فيه شائبة الضرر سواء أكان عاما أم خاصا ، ماديا أم أدبيا ، موجودا بالفعل أم سيوجد ، فوجوب الصوم ـ مثلا ـ منفي عن المريض وعمن يخشى حدوث المرض أو شدته أو طول مدته.
ومن هنا قال الفقهاء : ان قاعدة لا ضرر مقدّمة وحاكمة على جميع أدلة الأحكام حتى ولو كان بينها وبين القاعدة عموم من وجه ، أو كان ظهور أدلة الأحكام أقوى وأظهر من دلالة لا ضرر ، لأن عملية تقديم الأظهر على الظاهر إنما تجري بين المتعارضين لا بين الحاكم والمحكوم ، لأن الحاكم يخرج منذ البداية جميع موارده وأفراده عن موضوع المحكوم ـ مثلا ـ الوضوء مع الضرر فرد من أفراد قاعدة «لا ضرر» وخارج موضوعا عن قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الخ ٦ المائدة» وكذلك البيع مع الغش والضرر بعيد كل البعد عن وجوب الوفاء المدلول عليه ظاهرا بقوله تعالى : (.. أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ـ ١ المائدة».
الأمر بالضرر
وتسأل : لقد أمر الاسلام بتحمل الضرر في الجهاد والخمس والزكاة ، ونفقة الوالدين والأولاد ، فكيف نقض بأمره هذا ما أبرمه في «لا ضرر ولا ضرار».
وأجاب الأنصاري بأن هذه الأمثلة ونحوها خرجت عن قاعدة لا ضرر بالدليل ، وكلامه صريح في ذلك بخاصة في رسالته الملحقة بالمكاسب ، وأجاب النائيني ـ كما في «منية الطالب» في حاشية «المكاسب» للخوانساري ـ بأن الضرر على نوعين : الأول وصف عرضي خارج عن حقيقة الموصوف كالمرض الناشئ عن الصيام. والثاني وصف ذاتي داخل في حقيقة الموصوف كالجهاد وأمثاله ، وقاعدة لا ضرر تنفي الأضرار العرضية دون الذاتية.