بين الواجب والحرام
قلنا في فصل الاحتياط فقرة ، أقسام الشك والشبهة : ان الشك في المكلف به ينقسم إلى ثلاثة أقسام : (١) اشتباه الحرام بغير الواجب (٢) اشتباه الواجب بغير الحرام (٣) اشتباه الواجب بالحرام ، وتقدم الكلام عن القسم الأول والثاني اللذين يمكن الاحتياط فيهما ، ونشير الآن إلى القسم الثالث الذي لا يمكن فيه الاحتياط الشرعي ، ومثاله أن يوجد غريقان : أحدهما يجب اسعافه والحرص على حياته ، والثاني يحرم ذلك لأنه من الساعين في الأرض فسادا الذين عناهم الله تعالى بقوله : («فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ـ ٩١ النساء» وقد اشتبه أحدهما بالآخر ، فما ذا يصنع المكلف القادر على اسعافهما معا؟ هل يتركهما ، أو ينقذهما ، أو يسعف أحدهما دون الآخر على التخيير؟.
وقبل الجواب نشير إلى أن هذه المسألة غير مسألة تردد الفعل الواحد بين الوجوب والحرمة لأن ما نحن بصدده لا بد من وجود فعلين : أحدهما واجب والآخر محرم كما في المثال ، وسبق الحديث عن المسألة الأولى في فصل التخيير.
الجواب :
إن ترك المكلف الفعلين معا فقد أطاع وعصى في آن واحد ووقع في المخالفة القطعية بترك الواجب ، وان اسعف الغريقين وأنقذهما معا من الهلكة وقع أيضا في المخالفة القطعية بفعل الحرام ، وان اسعف أحدهما دون الآخر نجا من المخالفة القطعية بالموافقة الاحتمالية ، إذ من الجائز والممكن ان يكون الذي أنقذه من الهلاك هو الواجب والذي تركه هو الحرام.
فيدور الأمر بين اختيار المخالفة القطعية وبين اختيار الموافقة الاحتمالية فيتعين