الجزء أو الشرط لا يخلو من أحد فرضين : اما أن يكون له إطلاق يعم ويشمل حال القدرة عليه وحال العجز عنه مثل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، ولا صلاة إلا بطهور ، واما أن لا يوجد هذا الإطلاق في دليل القيد ، وعلى فرض وجوده يسقط الامر بالمقيد (أي الباقي) بعد تعذر قيده لا محالة ، لان ظهور القيد مقدم وحاكم على ظهور المقيد ، وسبقت الاشارة الى ذلك في بحث المطلق والمقيد ص ١٩٩.
وإن لم يكن لدليل القيد اطلاق احتكمنا الى الاصل العملي ، وهو يقضي هنا ويحكم بالبراءة ، لأن الشك في وجوب الباقي بعد تعذر الجزء أو الشرط هو شك في نفس التكليف لا في المكلف به.
القول الثاني وجوب الاتيان بالباقي ، واستدل أصحابه بدليلين : الاول الاستصحاب حيث كنا نعلم على اليقين بوجوب الباقي قبل تعذر القيد ، ثم شككنا في وجوبه بعد أن تعذر القيد وتعسّر ، فنستصحب وجوب ما تبقى كما كان.
ويلاحظ بأن الشرط الاساسي في الاستصحاب أن يكون المشكوك عين المعلوم ، وهذا الشرط مفقود فيما نحن فيه لأن وجوب الباقي منضما إلى شرطه أو جزئه قبل التعذر كان تبعا لوجوب الكل ، ولم يكن وجوبا مستقلا ، وبعد التعذر يكون وجوبه مستقلا لا تبعا لغيره على تقدير وجوبه فكيف يجري الاستصحاب في ظل التعدد والتباين؟.
الدليل الثاني : قول النبي (ص) : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» بزعم ان المراد بكلمة «شيء» ما يعم المركب ، وان «منه» للتبعيض ، و «ما» موصولية. وقول الإمام أمير المؤمنين (ع) : «الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك كله لا يترك كله».
ويلاحظ على الحديث الأول بأنه ليس المراد من كلمة «شيء» ما كان مركبا من أجزاء كالصلاة ، بل المراد المعنى الكلي من أفعال البر والإحسان ، وان الحديث بجملته مرادف أو مفسر لقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ـ ١٦ التغابن».
أجل ، ذهب العديد من العلماء ـ وربما أكثرهم ومنهم النائيني ـ إلى أن قول الإمام : «الميسور الخ ..» ظاهر في الدلالة على ما نحن بصدده ، وانه يعم ويشمل كل ميسور جزءا كان أم شرطا ، واجبا أم مستحبا ، بل قد