والعملية ، والركن الأساسي لكل اجتهاد واستنباط. وذكر علماء الأصول هذا التنبيه بعد الحديث عن الشبهة الحكمية بقسميها التحريمية والوجوبية ، ليشيروا إلى أن الأصل الحكمي لا يجري بحال إذا أجري الأصل الموضوعي ، لأن هذا مقدم على ذاك ، وضربوا مثلا بأصل عدم التذكية ، ولكنهم استقلوا الكلام عن هذه القاعدة الأصولية ، فقفزوا منها الى الحديث عن معنى قابلية الحيوان للتذكية ، وعن وجود اطلاق أو عموم يثبت هذه القابلية في كل حيوان إلا ما خرج بالدليل ، إلى غير ذلك مما يبحث عنه في علم الفقه. وبعد أن تكلم الانصاري قليلا عن التذكية قال : «وتمام الكلام في الفقه».
وتكلمت مفصلا ومطولا عن التذكية في الجزء الرابع من فقه الامام جعفر الصادق (ع) باب الذباحة ، وقلت من جملة ما قلت : لا آية ولا رواية وردت لبيان قابلية الحيوان للتذكية أو عدم قابليته لها ، والآن وبعد التأمل والتفكير أعترف بأني إذا قلت : الأصل عدم قابلية التذكية فإنما أقول ذلك لا عن فهم ، بل تقليدا ومحاكاة للسلف!. ولا أدري بأي دافع نطقوا بهذا الأصل؟. ولكني على علم اليقين بأن هذه القابلية لا تقع تحت الحواس ولا تحديد لها في الشرع ، ولا يتصورها أهل العرف ، فمنهم من يأكل الحشرات والحيات ، ومنهم من لا يعف عن شيء يمشي على أربع ، بل منهم من يأكل لحوم البشر الأحياء منهم والأموات؟. فكيف أجري أصلا لا أفهمه؟. وربما ظن غيري أنه يفهمه ، وعلى المدعي البينة.
وفي سائر الأحوال إذا لم يجر أصل عدم القابلية للتذكية إما للجهل بهويتها ، وإما لسبب آخر ـ فالمعول عليه دينا ومذهبا هو أصل الحل والطهارة إلا ما خرج بالدليل ، ولكل مجتهد أن يتبع نظره في تحديد هذا الدليل ودلالته (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١٤٥ الانعام.