القول بغير علم لا يحتاج إلى دليل ، لأنه من المسلمات الأولية التي يستدل بها ولا يستدل عليها ، ومن هنا احتج القرآن الكريم على الجاحدين بأنهم يظنون ويخرصون ، واعتبر هذا الظن والتخرص وحده دليلا وافيا على الجهل والضلالة ، قال سبحانه من جملة ما قال في الرد على من كابر وعاند : («إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ـ ١١٦ الانعام» وتومئ الآية الكريمة الى أن الظن من غير دليل أشبه بالكذب ، بل في الحديث الشريف «الظن أكذب الكذب».
وقال صاحب الكفاية : «مع الشك في التعبد بالظن يقطع بعدم حجيته ، ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى بيان واقامة برهان» ومثل ذلك في رسائل الشيخ الانصاري حيث قال : «أطالوا الكلام في النقض والإبرام في هذا المقام بما لا ثمرة مهمة في ذكره» .. ومع هذا أطال الشيخ في النقض والإبرام ، وأسهب وأطنب. قدس الله أرواح الجميع.
والخلاصة لا مانع شرعا وعقلا ـ من حيث الامكان والمبدأ ـ أن يعتبر الشارع الظن المقيد طريقا إلى معرفة الأحكام الشرعية بشرطه وشروطه ، ولكن لا يسوغ لأحد ان يطلب الحكم الشرعي بالظن الا بعد قيام الدليل القطعي على اعتبار هذا الظن ، وعندئذ يكون هذا الظن الخاص المعتبر خارجا موضوعا عن الأصل العام الذي حرم العمل بالظن.
وتجدر الاشارة إلى أن الاصوليين يعبرون عن الظن الخاص الذي دل الدليل على اعتباره ، ويسمونه بالدليل العلمي إشارة إلى أن العمل به يستند إلى العلم. وغير بعيد أن يكون مدرك هذه التسمية قوله تعالى : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) ـ ٤ الاحقاف» نقول هذا مع علمنا بأن معنى «اثارة» بقية.
ظواهر الكتاب والسنة
وبناء على أن الاصل يقتضي المنع عن العمل بالظن إلا ما خرج بالدليل ـ نتساءل : هل خرج بالدليل عن هذا الأصل بعض الامارات التي من شأنها أن توجب الظن بالحكم دون العلم؟. الجواب خرجت ظواهر الكتاب والسنة ، والخبر الواحد. بل قيل بخروج غيرهما أيضا. وكلامنا الآن وفيما يأتي يدور حول الدليل على خروج ما خرج عن الاصل المذكور من الامارات والعلامات