(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) ـ ١٠٦ البقرة». («يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ـ ٣٩ الرعد».
وأيضا يجوز نسخ الكتاب بالسنة الثابتة بالتواتر ، بل وبخبر الآحاد ما دام الكل من عند الله والعقل لا يأباه ، واذا ساغ أن يكون الخبر الواحد مخصصا لعموم الكتاب يسوغ أيضا أن يكون ناسخا ، لأن كلا منهما بيان وطريق للكشف عن إرادة الشارع. هذا من حيث الإمكان والمبدأ ، أما من حيث الوقوع فلم يثبت عند الجعفريين نسخ الكتاب بالسنة ، لا بسنة متواترة ولا بخبر واحدا كان أو أكثر. هذا في حدود ظني ومعرفتي.
ويجوز نسخ السنة بالسنة ، والدليل هو الدليل على جواز نسخ الكتاب بالكتاب وبالسنّة ، وفي (مجمع البحرين) للطريحي روي «في حديث النبي (ص) ناسخ ومنسوخ». أيضا هذا من حيث الجواز والإمكان ، والوقوع يحتاج الى تتبع وتمحيص. وفي ج ٣ ص ١٨٦ من (كشف الأسرار) للأحناف عن النبي انه قال : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها». وأيضا في هذا الكتاب ج ١ ص ٢٩١ أن النبي «مثّل بقوم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في شدة الحر حتى ماتوا ، ثم نهى عن المثلة .. وأباح شرب أبوال الإبل ، ثم حرمها».
ويجوز نسخ إجماع انعقد في وقت من الأوقات ، بإجماع انعقد في وقت آخر بعده ، بمعنى أن يكتشف الاجماع الثاني ان الإجماع الأول استند الى أصل غير أصيل ، ومدرك عقيم وعليل. والواقع ان هذا ليس من النسخ في شيء ، وإنما هو اكتشاف لموقع الداء والخطأ ، ومن هنا يسوغ لأي فقيه أن يخالف الإجماع إذا تبين له أن المجمعين اشتبه عليهم وجه الحق والصواب ، قال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف بالرسائل : «إذا اتفق القدماء على وجوب العمل بأخبار نجاسة البئر ـ مثلا ـ وترجح في نظر الفقيه عدم الوجوب فلا يضيره اتفاق القدماء».
ويأتي التفصيل والتحقيق في الجزء الثاني ان شاء الله ، أما الإجماع في كل عصر ومصر من عهد الصحابة الى ما بعدهم بقرون ـ فلا ينسخه شيء لأن المجمع عليه كذلك تحول من الاجماع الى الضرورة والبديهة.