محل الخلاف
اختلفوا في أن تعليق الجزاء على فعل الشرط ، كما في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ـ ١٨٥ البقرة» هل يدل بالوضع أو بالإطلاق ومقدمات الحكمة (١) على انحصار السبب التام للجزاء بفعل الشرط وحده بحيث يلزم من عدمه العدم تماما كما يلزم من وجوده الوجود ، ومعنى هذا ان للشرط مفهوما يستفاد من نفس اللفظ بلا قرينة ، وهو انتفاء الجزاء وثبوت نقيضه عند انتفاء شرطه. وعليه نحكم بأنه لا صيام على المسافر استنادا لآية «(فَمَنْ شَهِدَ) الخ» .. ولا نحتاج الى دليل غيرها ، أو ان الجملة الشرطية إنما تدل بمنطوقها على وجود الجزاء عند وجود الشرط وكفى ولا تدل على انتفاء الجزاء وثبوت نقيضه عند انتفاء شرطه إلا بدليل خارج عن المنطوق ، ومعنى هذا أن الشرط لا مفهوم له.
الأقوال
وأثبت المشهور مفهوم الشرط ، ونفاه بعض الأصوليين ، ونحن مع الكثرة الكاثرة ، لأن تعليق الحكم على الشرط معناه الانتفاء بانتفائه وإلا لم يكن للتعليق أية جدوى ، بل يكون تخصيص الشرط بالذكر لغوا وعبثا ما دام ذكره والسكوت عنه بمنزلة سواء.
وتسأل : ان وضع اللغة يثبت بالتبادر وعدم صحة السلب لا بالاستحسان والتعليل بأن هذه الأداة أو هذه الجملة لو لم تكن موضوعة للارتباط أو للانحصار ـ مثلا ـ لم يكن لها من معنى أو فائدة.
الجواب :
أولا : ان التبادر موجود لأن أهل العرف والأذهان الصافية الخالية يفهمون من التعليق في الجملة الشرطية ، انتفاء الحكم عند انتفاء شرطه. «وكفى بذلك حجة ودليلا» على حد ما قال الشيخ الأنصاري في التقريرات.
ثانيا : ليس هذا إثباتا لوضع اللغة بما فيه من فائدة ، وإنما هو بحث عن
__________________
(١) أشرنا إليها في الحاشية عند الكلام عن تعليق التكليف بالطبيعة أو بالأفراد.