يقع التعارض والتكاذب بين الحكمين المتنافرين ، أو لا يسري كي يقع التزاحم والتصادم بينهما في مقام الامتثال؟ ومحتوى هذين القولين واحد ، وعليه فلا تمت المندوحة الى الخلاف هنا بسبب قريب أو بعيد.
أجل ، مع وجود المندوحة يمكن البحث في ان وجوب الشيء وتحريمه في آن واحد حين الامتثال لا في مقام التشريع هل هو باطل لأنه تكليف بما لا يطاق ، أو لا غبار عليه لأن هذا التكليف بما لا يطاق تولّد من سوء اختيار المكلف للفرد الحرام إذ المفروض ان الله قد أغناه بحلاله عن حرامه ، ولكنه أبى إلا الحرام فعوقب بما لا يطيق جزاء لما كسبت يداه.
وقيل : يصح الأمر بالطبيعة مع القدرة على فرد منها وإباحته وإن منع عن سائر أفرادها ، فإذا اختار المكلف الفرد الممنوع شرعا صدقت عليه طبيعة المأمور به قهرا ، وتحقق الامتثال عقلا. وردّوا عليه بأن الممنوع شرعا تماما كالممتنع عقلا ، ومعنى هذا ان طبيعة المأمور به لا تصدق بلحاظ أمرها على الفرد المحرم.
أما القول بأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فقد تقدم تفسيره ، وانه يرجع الى العقاب فقط ، وان التكليف بما لا يطاق لا يسوغ بحال حتى ولو كان السبب الموجب سوء الاختيار. (انظر المقدمة الخامسة من مقدمات الترتب ، الفصل السابق بلا فاصل).
العبادة والكراهة
من جملة ما استدل به القائلون بجواز اجتماع الأمر والنهي : ان الشرع قد جمع الوجوب والكراهة ، كالصلاة في الحمام والصوم يوم عاشوراء ، واذا جاز الحكم على الفعل الواحد بالوجوب والكراهة جاز الحكم عليه بالوجوب والتحريم ، لأن الأحكام الخمسة متقابلة بكاملها بخاصة الوجوب والتحريم أو الكراهة.
وأجاب عن ذلك القائلون بالامتناع : أولا ، ليس معنى الكراهة في العبادة ان فيها مفسدة ذاتية توجب النهي عنها ، بل المراد ان هذا الفرد المنهي عنه أقل ثوابا من سائر الأفراد. ثانيا ، ان النهي هنا لم يتعلق بالعبادة مباشرة ، بل بشيء خارج عنها ولكنه مقارن لها في الوجود ، أي ان النهي عن العبادة انما هو بالغير لا بالذات.