الدولة الفارسية بأكملها ، وكادت أن تسقط به ـ أيضا ـ أركان الدولة الرومانية ، وهما الدولتان المتحضرتان القويتان في ذلك العصر ، وتفتح فيه أبواب القبائل الوثنية المشتتة في العالم ، في مدة لا تزيد على ربع قرن من الزمن ، كل ذلك لتحقق لو كانت القيادة لهذا الزخم الرسالي الإلهي قيادة ربانية مدعومة بمسيرة الهدى والصلاح وإقامة الحجة على الناس ، وتذليل النفوس والقلوب قبل تذليل الأجساد والقوى المادية؟!
إن تنسيق حركة الهدى مع حركة الهيمنة وتقدمها على حركة القدرة والسلطة قد يؤجل بسط الهيمنة المادية بعض الوقت ، ولكنه سوف يفرض تصاعدا حتميا مثمرا في الخط البياني لمسيرة الخطوط الثلاثة ، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف الحتمي الإلهي العظيم (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ* وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١).
كما أن (عملية) بسط العدل والحق المطلق والهيمنة الكاملة لها وحل جميع معالم وصور الاختلاف بين الناس التي أشارت إليها آية سورة النور السابقة ، قد تحتاج إلى وقت أطول من وقت عملية إقامة الحجة وعملية بسط الهيمنة السياسية ، لأنها أكثر تعقيدا من العمليتين الأخيرتين ، ولكن هذا الوقت المفترض وهذه المدة المحدودة تكفي ـ بإذن الله ـ في تحقيق كل ذلك ، كما تشير إليه هذه الملاحظات (٢).
__________________
(١) الأنبياء : ١٠٥ ـ ١٠٧.
(٢) لقد كانت هذه النتائج هي التي أشارت إليها الزهراء عليهاالسلام في خطبتها المعروفة ، وسلمان الفارسي في تعليقته ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ وبهذا الصدد تنقل طريفة تعبر عن جانب من هذه