تأثير مهم في النتائج التي حققها رسول الله بعد ذلك في الفترة المدنية ، من تسهيل فرض السيطرة فيها على الجزيرة العربية ، ومنها مكة المكرمة نفسها.
وكذلك نلاحظ ـ في هذا المجال ـ أن الجهود الكبيرة التي بذلها الرسول في معالجة قضية أهل الكتاب ، وتحمله المعاناة من أجل مخاطبتهم وإقامة الحجة عليهم ، كان لها دور كبير في تحقيق نتائج الهيمنة السياسية على مناطقهم المنيعة (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (١).
القيادة غير المعصومة
المؤشر الثاني : هو حركة الدولة الإسلامية في مدة الخلفاء الثلاثة الذين تولوا السلطة بعد الرسول والتي تم فيها إبعاد الإمام عليّ عليهالسلام من قيادة التجربة الإسلامية بصورة عامة ، والدولة الإسلامية بصورة خاصة ، ولكنها مع كل ذلك كانت تتصف بدرجة معينة من الالتزام الديني العام والقرب الزمني من عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، بحيث كان يعبر عنها الإمام عليّ عليهالسلام ـ أحيانا ـ بما روي عنه من قوله : «وو الله لاسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصة» (٢). وكان يقدم فيها المشورة إلى الخلفاء ويشترك في إدارة بعض الأمور فيها ، وكان يشارك فيها أخيار الصحابة وصلحائهم وخاصتهم ، أمثال سلمان الفارسي ـ الذي يعبر عنه الرسول صلىاللهعليهوآله بسلمان المحمدي ـ وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود ، وغيرهم كثير ...
__________________
(١) الحشر : ٢.
(٢) نهج البلاغة : ١١٠ / ٧٤.