بين الناس ، وعندها تحققت الهيمنة للإسلام على الجزيرة العربية بصورة عامة في زمانه ، وإن لم تكن هذه الهيمنة ـ أيضا كما أشرنا سابقا ـ هيمنة كاملة ، ولكنها كانت هيمنة عامة للإسلام على الجزيرة العربية في هذه المدة المحدودة ، ولعل هذه الهيمنة السياسية العامة هي المقصودة بقوله تعالى (... وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) ـ والله العالم ـ قال تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١).
الأمر الثالث : المطلوب إنجازه في الرسالة الخاتمة هو تطبيق الحق والعدل على الناس تطبيقا كاملا على مستوى الفرد والجماعة معا ، حيث يمكن أن نفترض بأن الحجة تقام على الناس وتفرض الهيمنة العامة بعد ذلك للمؤسسة السياسية التي نعبر عنها بالدولة أو الحكومة على الناس ، ولكن لا يتحقق التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية على جميع هؤلاء الناس ، كما كان ذلك الأمر في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآله في حدود الجزيرة العربية ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله تمكن من فرض الهيمنة الإسلامية كدولة وقوة يخضع لها الناس في حدود الجزيرة العربية ، بعد أن أقام الحجة عليهم ، ولكن الكثير من هؤلاء الناس كان يرتكب الآثام ـ أيضا ـ ويحرف قوانين الحق والعدل التي شرعها الإسلام ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك عند الإشارة إلى حركة المنافقين ، وإلى مجتمع الأعراب ومخالفات بعض المسلمين من المؤلّفة قلوبهم ، أو ضعفاء الإيمان ، أو ضعفاء الإرادة والالتزام ، حيث كانت ترتكب مثل هذه القضايا حتى في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يعلن ـ أحيانا ـ إنكاره وبراءته مما كان يرتكب في زمانه من هذه المخالفات ، إذ لم يطبّق الحق تطبيقا كاملا على جميع هؤلاء الناس حتى في حدود الجزيرة العربية.
__________________
(١) الأنفال : ٣٩.