ولكن هذه الظاهرة التاريخية تحتاج إلى تفسير تاريخي ، ولعل ذلك ـ والله العالم ـ لأحد أمرين :
الجذر التاريخي ودوره
الأمر الأول : أن الوصي والإمام عند ما يكون له هذا الجذر التاريخي والارتباط النسبي بالرسالة ، يكون إحساسه بالانتماء إليها وشعوره بالمسئولية تجاهها متجذرا بدرجة عالية جدا ، وذلك حينما يرى في نفسه فرعا من شجرة طيبة أصيلة ، تمتد في جذورها الرسالية عبر القرون في التاريخ الرسالي والإنساني ، وتمده بالعزم والإرادة والصبر والصمود والقدرة على تحمل المحن والآلام والشدائد والانتصارات والتقدم والبركة الإلهية التي شهدتها هذه الشجرة الطيبة في تاريخها.
ويؤكد هذا التفسير عدة مؤشرات ، يمكن أن نلاحظها في القرآن الكريم :
الأول : تأكيد القرآن الكريم على الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية ، مع أن الرسالة الإسلامية هي أفضل الرسالات الإلهية ، وهي الرسالة المهيمنة عليها ـ كما ذكرنا ـ وهي الرسالة الخاتمة ، ورسولها أفضل الأنبياء على الإطلاق ، ومع ذلك كله كان القرآن الكريم يؤكد على هذا الجذر التاريخي والانتماء للأنبياء السابقين ، ولا سيما إبراهيم عليهالسلام الذي ينسب إليه القرآن الكريم الإسلام في مواضع عديدة ، منها قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (١).
__________________
(١) البقرة : ١٣١ ـ ١٣٣.